أعرب وزير الخارجية الفرنسي هوبير فيدرين عن اعتقاده بأن الوضع الاقليمي الراهن لا يتحمّل اي تحرك، فالجمود والمراوحة في مسيرة السلام ينعكسان على كل المسارات، وان التغيير في مواقف الحكومة الاسرائيلية وحده كفيل بتعديل الاوضاع، لكن الاجواء السائدة حالياً ليست على هذا النحو. وأعلن فيدرين الذي تحدث الى "الحياة" في طريق عودته من دمشق الى باريس في ختام جولته الشرق اوسطية التي قادته الى لبنان وسورية والاردن انه سيزور المملكة العربية السعودية خلال الاسابيع المقبلة. وقال ان سياسة فرنسا ازاء المعارضة اللبنانية لن تتغير، وان الشخصيات السياسية اللبنانية المعارضة الموجودة في فرنسا ملزمة بنوع من الانضباط غير البيروقراطي، مشيراً الى ان فرنسا تربط بين القرار الدولي الرقم 425 والحل الشامل في المنطقة من أجل التوصل الى حلول قابلة للاستمرار.وتحدث فيدرين عن الازمة الاخيرة بين العراق والامم المتحدة، مؤكداً انها لن تثير الانقسام في مجلس الامن لأن فرنسا مشاركة في صوغ القرارات الصادرة عنه والتي تنظّم اجراءات المراقبة التي اعتمدت بعد حرب الخليج. وعن قانون داماتو الاميركي الذي قد تعمل الادارة الاميركية على تطبيقه على شركة "توتال" الفرنسية، قال ان فرنسا لا تعترف بصلاحية هذا القانون وتمنى ان يتم التعامل مع هذه المسألة باعتدال وتعقل. وهنا نص المقابلة: كانت زيارتكم لكل من لبنان والاردن وسورية موضع ترقب بالغ، فما هي الحصيلة التي اجريتموها لهذه الزيارة؟ - لا بدّ من التذكير ان لفرنسا نشاطاً مستمراً في الشرق الاوسط. وحتى عندما لا تكون هناك زيارات لرئيس او لوزير الخارجية، فان هذا الاهتمام مستمر بصورة يومية: في باريس وفي مجلس الامن وفي الاتحاد الاوروبي. لكن ليس هناك ما يغني عن التوجه الى كل من دول المنطقة للقاء مسؤوليها والبحث معهم في المشكلات الراهنة. وبالنسبة لي، اذن، فان الزيارة بمثابة تثبيت قوي لأمر كان واضحاً وانما ازداد وضوحاً. ومن هنا اهمية القيام بزيارات منتظمة شرط ان يدرك شركاؤنا ان كل زيارة ليست مناسبة للاعلان عن مبادرة مثيرة، كما لو اننا قادرون بمفردنا على تعديل المعطيات الجيوسياسية للتاريخ وللواقع السياسي. وبمجرد ان يتم تفهم ذلك يصبح في الامكان القيام بعمل في العمق. فهذه الزيارات تعبير قوي عن نهج مستمر. وفي تقديري ان هذا الامر اصبح موضع تفهّم جيد. وهذا ما سبق ان لاحظته في كانون الاول ديسمبر الماضي، حتى في اسرائيل حيث الموقف اكثر التباساً من التدخلات الخارجية للدول الاوروبية. وبالطبع يطالب الفلسطينيون، وكذلك مصر واللبنانيون والسوريون والاردنيون، فرنسا بالابقاء على التزامها. ولديهم انطباع بأنه لولا الضغط الدائم الذي تقوم به فرنسا على صعيد البحث عن حل لكان الموقف العام لاوروبا سرعان ما تعرّض للتلاشي. ولمست لديهم جميعاً استعداداً لتقبل السياسة الفرنسية التي يريدونها ان تكون قوية ومرئية، من دون ان تسعى الى التمايز عن سياسة الاوروبيين الآخرين، بل ان تساهم في تطوير موقفهم وتعزيزه. والامر نفسه ينطبق على الولاياتالمتحدة، وهذا بالغ لاهمية. فلم اجد بين اي من شركائي العرب من طالب بسياسة فرنسية نقدية او متباعدة بحدة عن السياسة الاميركية. فهذا ليس محط اهتمام كبير لديهم. في المقابل، انهم يأملون في ان تتمكن فرنسا، بفضل قوة سياستها، من حث الولاياتالمتحدة على تطوير مواقفها. وهل مردّ هذا الى كونكم معروفين في المنطقة باستراتيجية وعلاقة مع الولاياتالمتحدة تختلف عن العلاقة السابقة، وبأنكم على صلات قوية جداً بوزيرة الخارجية مادلين اولبرايت والادارة الاميركية؟ - نعم بالرغم من ان تحاليلنا ليست دائماً متباينة، فاننا نتبادل المعلومات ونسعى الى مطابقة جهودنا. هل تعتقدون ان اطلاعكم الدائم لنظيرتكم الاميركية على نياتكم قبل كل رحلة او قرار ومناقشاتكم المسبقة معها ستؤدي الى نتائج؟ - هناك تبادل للمعلومات، لا اعتبر انه يغيّر معطيات الامور كلياً لكنه يستحق المحاولة. ولاحظت ان المسؤولين الذين حاورتهم يعتبرون ذلك مشجعاً. وفي اعتقادي يعتبرون، جميعاً، انه اذا توصلت الولاياتالمتحدة واوروبا، وحتى روسيا، الى مواقف متطابقة تقريباً من بعض المبادئ الأساسية الكفيلة باعادة اطلاق مسيرة السلام، فقد تتغير الامور. وهم يفضلونه هنا على المنافسة والتوتر كما لو اننا في مسابقة على الاوسكار. وهذه النظرة تتلاءم تماماً مع الديناميكية الفرنسية. ما هي انطباعاتكم، وما هو تقويمكم لحصيلة مناقشاتكم مع الرئيس حافظ الاسد والملك حسين والمسؤولين اللبنانيين؟ وهل لا يزال لديهم امكان لاخراج مسيرة السلام من المأزق؟ - لا أحد منهم متفائلاً على المدى المنظور. لكن ينبغي عدم الاستسلام. ولذا يجب ان نكون على اطلاع يومي على التحاليل التي يجريها كل منهم لأي عنصر جديد. فعلى سبيل المثال ذكر رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو ووزير الدفاع اسحق موردخاي اخيراً، وللمرة الاولى، القرار 425. فهل هذا مهم أم لا؟ ليس هناك مسؤول واحد في المنطقة يعتبر ان الوضع الاقليمي يتحمّل اي تحرّك. فالجمود والمراوحة على صعيد مسيرة السلام ينعكسان على كل المجالات. وهذا ينطبق على العلاقة الاسرائيلية - الفلسطينية وعلى العلاقة الاسرائيلية - السورية وعلى العلاقة الاسرائيلية - اللبنانية. ما الذي يمكن ان يغيّر الامور؟ - الرغبة الاسرائيلية بالعودة الى الالتزامات المنصوص عليها في اتفاق اوسلو والاتفاقات التي تبعته بما يتيح للسلطة الفلسطينية ان تتجاوب ايجاباً وتعيد احياء "حلقة كاملة" لتحل محل الحلقة المفرغة، لكن الاجواء السائدة حالياً ليست على هذا النحو. وما حصل اخيراً في اسرائيل عبر استقالة السيد ديفيد ليفي ليس بادرة ايجابية. لكن المثابرة ضرورية. بما ان المسار الاسرائيلي - الفلسطيني اكثر تعقيداً من المسارين السوري - الاسرائيلي واللبناني - الاسرائيلي، فهل ترون ان هناك ثغرة يمكن من خلالها تحريك المسارين الآخرين، ام ان المسارات المختلفة في الوضع نفسه؟ - من وجهة نظرنا ليس هناك ما يمنع تفحّص امكان اعادة احياء هذا المسار او ذاك. فاليوم مثلاً، يتحدث الاسرائيليون عن تطبيق القرار 425، فهذا تقدّم. لكنهم يرفقونه بشروط متعددة تتجاوز مضمونة وتجعل تطبيقه غير محتمل. واللبنانيون لا يجدون ما يبرّر دخولهم في مفاوضات في شأنه، اذ ان القرار شديد الوضوح ولا يتضمن اي شروط واجراءات تطبيقه محددة بموجب القرار 426، وبناء عليه اذا كان في الامكان التحادث وتوضيح الامور ونقل الرسائل وتوفير الفرصة لتجاوز هذا التناقض الاولي يكون ذلك جيداً. فنحن منذ 1996 نلعب دوراً كبيراً جداً ضمن لجنة مراقبة وقف النار في جنوبلبنان المنبثقة عن "تفاهم نيسان". وهي لجنة تعمل وتطوّق بنجاح التوترات من دون ان تحل جوهر المشكلة. وهذا يمكن ان يشكّل نموذجاً لأسلوب يطبّق لاحقاً على نطاق اوسع، وليس هناك ما يحول دون درسه. وفي ما يتعلق بالعلاقات بين اسرائيل وسورية، فقد تكون المساهمة ممكنة في تحديد الشروط او غياب الشروط التي تسمح باستئناف المفاوضات. ومن الواضح انه بمجرد احراز بعض التقدم في هذه المناقشات، واعادة تحريك المسار الفلسطيني - الاسرائيلي، فاننا سرعان ما سنكتشف التداخل القائم بين مختلف المسارات. فالحديث عن الشمولية ناجم عن التداخل الفعلي. فليس هناك ما يمنع البحث المستمر عن امكان احياء هذه المسألة او تلك، للتوصل الى الاستقرار في الشرق الاوسط ما يستدعي الاجابة على كامل الاسئلة المطروحة عن كل العلاقات بين اسرائيل والفلسطينيين وبين اسرائيل وجيرانها العرب. في السابق كان الموقف الفرنسي واضحاً من ضرورة تطبيق اسرائيل للقرار 425، وانكم الآن تربطون بين تطبيق القرار والانسحاب من جنوبلبنان بالانسحاب من الجولان، لماذا؟ - ليست فرنسا التي تربط بين القرار 425 والسلام الشامل في المنطقة، بل الاطراف المعنية التي لمست ان القضايا مترابطة في ما بينها بطريقة أو بأخرى. وعندما نصرّح بهذا الموقف لا نسعى الى فرض شروط اضافية بل العكس من أجل التوصل الى حلول قابلة للاستمرار. اصطحبتم معكم النائب الفرنسي جيرا بابت القريب من المعارضة اللبنانية في باريس، فهل هذا تعبير عن موقف فرنسي جديد من المعارضة ومن ضمنها العماد ميشال عون الذي اصبح في وسعه التعبير عن آرائه في فرنسا؟ - ليس هناك اي تغيير بالنسبة الى سياستنا ازاء الشخصيات السياسية او اللاجئين السياسيين في فرنسا الملزمين بنوع من الانضباط حتى لو انها غير محددة بطريقة بيروقراطية. وبأي حال فإن قضية العماد عون مسألة تخص اللبنانيين وليس الفرنسيين. وفي ما يخص النائب بابت، كنت ابلغت الجمعية الوطنية برغبتي في اصطحاب النائب الذي اختارته الجمعية الوطنية لترؤس مجموعة الصداقة الفرنسية - اللبنانية. فهذا منطقي ولا يحتمل اي نيات مخفية. هل تعتقدون بأن الازمة الاخيرة بين بغداد واللجنة الدولية لنزع اسلحة الدمار الشامل العراقية ستؤدي الى انقسام مجلس الامن؟ - كلا لأن موقفنا شديد الوضوح من ضرورة تطبيق العراق للقرارات بما فيها تلك المتعلقة بزيارة المواقع. ومن غير الوارد السؤال عما اذا كنا على قرب او على تباعد مع الولاياتالمتحدة . فنحن مشاركون في المسؤولية ومشاركون في صوغ وتوقيع القرارات الصادرة عن مجلس الامن والتي تنظم اجراءات المراقبة التي اعتمدت في اعقاب حرب الخليج لنزع التسلّح العراقي وحصره بالمستوى الذي يحتاجه العراق لضمان امنه من دون تهديد الدول المجاورة. والمسألة اذن ليست مدى تقاربنا من بلد آخر، في مقدار ما هي مسألة انسجام مع انفسنا. ونحن لم نكف عن التكرار بأن على العراق ان يفي بالتزاماته. وفي الوقت نفسه اكدنا على الدوام انه بمجرد ان يطبّق العراق هذه الالتزامات سنكون سعيدين بالاستنتاج ان الوقت حان لرفع الحصار، وهو ما نأمل به للعراق وللمنطقة. فلن نفرض شروطاً جديدة وليست هناك بنود غير معلنة. وعلى الصعيد الانساني تسعى فرنسا الى توسيع ملحوظ للقرار حول النفط في مقابل الغذاء، للتخفيف من معاناة الشعب العراقي. هل في امكان شركتي النفط الفرنسيتين "الف" و"توتال" ان توقعا عقوداً لتطوير حقول نفطية في العراق وعدم العمل بموجبها الا بعد رفع الحصار؟ - انك تطرحين سؤالا لا يستند سوى الى فرضيات. فلدى العديد من الشركات النفطية اتصالات مع السلطات العراقية، وهي كلها تعرف انه لا يمكنها مخالفة قرارات مجلس الامن، وما تبقّى هو من باب التكهّن. ما الذي يمكن ان تفعله الترويكا الاوروبية التي ستزور الجزائر؟ وهل هدف الزيارة تهدئة الرأي العام الاوروبي ام انها مفيدة بالفعل؟ - انها من وجهة نظري خطوة ايجابية، وموافقة السلطات الجزائرية على الزيارة بعد تغيير مستوى البعثة التي ستقوم بها، تقدم حقيقي. وتعني موافقتها على الزيارة قبولها بعدم وجود تناقض، بين بلد سيّد وبين دخوله في حوار ومحادثات. واعتقد ان السلطات الجزائرية وافقت ايضاً على اتصالات مع البرلمانيين الاوروبيين تتبعها ربما اتصالات مع بعثات من برلمانات الدول الاوروبية. في الوقت نفسه فإن موقفهم من الصحافة الدولية بدأ يتسم بالانفتاح في الآونة الآخيرة. وكل هذا تقدم متواضع وانا مشجع وحقيقي. في نهاية الشهر الجاري ستتخذ الولاياتالمتحدة قرارها في شأن تطبيق قانون داماتو الذي يفرض عقوبات على الشركات الدولية، مثل "توتال"، التي وقّعت عقداً مع ايران، فما هو الموقف الذي تتخذه فرنسا اذا قرر الرئيس كلينتون تطبيق هذا القانون؟ - ان موقف فرنسا معروف جيداً، فنحن لا نعترف بصلاحية هذا القانون الاميركي الذي ينطبق على المؤسسات الاميركية. والاوروبيون متضامنون جداً على هذا الصعيد. واتمنى ان يستمر التعامل مع هذه المسألة باعتدال وتعقّل. المملكة السعودية بلد شديد الاهمية بالنسبة الى فرنسا فلمَ لم تتوجهوا لزيارتها بعد؟ - اعتزم زيارة السعودية خلال الاسابيع المقبلة لان الحوار السياسي بين فرنسا والسعودية شديد الاهمية.