بات استخدام الطائرات من دون طيار، أو الأنظمة الجوية الحربية التي تعمل من دون طيّار، شائعاً في شكلٍ متزايدٍ في الآونة الأخيرة. ومع الوقت، من المرجّح أن يلغي استخدام هذا النوع من الطائرات استعمال الطائرات الأخرى التي تعمل بطيار في ظل لعب التكنولوجيا دوراً مهماً أكثر من أي وقتٍ مضى خلال الصراعات. ولكن على رغم ذلك، من المستغرب أن يدور نقاشٌ عامٌ صغيرٌ حول القضايا الأخلاقية المتعلقة بنشاط هذه الطائرات. يستخدم الرئيس باراك أوباما ضربات الطائرات من دون طيار ضد قيادة تنظيم «القاعدة» وحركة «طالبان» مرةً كلّ خمسة أيام. أمّا الرئيس جورج بوش في المقابل، فكان يلجأ الى استعمالها مرةً كلّ أربعين يوماً. لقد غدت هذه الطائرات سلاحاً مفضلاً يعتمده «البنتاغون» ضد المتمردين، ممّا زاد عددها ثلاثة عشر ضعفاً خلال تسع سنوات بكلفةٍ تساوي بلايين الدولارات. في الوقت الراهن، تستخدم قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) الطائرات من دون طيار في ليبيا، بعد أن وجدت أنها أكثر فعالية من المقاتلات النفاثة السريعة والمكلفة جداً، التي تعد أهدافاً متحركة وصغيرة تستعمل قوات العقيد معمر القذافي قاذفات الصواريخ ضدها. بدورها، تملك المملكة المتحدة عدداً قليلاً من الطائرات من دون طيار، تم تسليمها الى القوات الجوية البريطانية التي استخدمت بعضها في أفغانستان. كما يُذكر أن إسرائيل وروسيا تستخدمان هذا النوع من الطائرات أيضاً. تملك الولاياتالمتحدة الأميركية طائرات من دون طيار من نوع «بريديتور» و «ريبر»، يعرف الناس القليل عن كيفية تشغيلها. ومن اللافت أنه يتم التحكم بهذه الطائرات بالكامل، وبالتوقيت الحقيقي، وهي على بعد مئات الأميال عن أهدافها. وتجدر الإشارة أن في كريتش في نيفادا هناك قاعدة عسكرية سرية للطيارين الذين يشرفون على تشغيل هذه الطائرات. تستطيع طائرات «بريديتور»، التي تحلّق من دون أن تثير الانتباه فوق التلال أو القمم، مراقبة أي هدفٍ محتملٍ عن كثب لساعات عدة من خلال كاميرا تلفزيونية في داخلها. كما في إمكان الطيار الذي يشرف على تشغيلها أن يحدد هدفاً في باكستان أو أفغانستان وأن يطلق صاروخاً على مشتبه فيه مهم أو على مجموعة إرهابية هناك. منذ سنواتٍ عدة، تحدث عميدٌ بريطاني الى الصحافة حول «عمليات قطع الرأس المستهدفة الفعالة للغاية» التي شاركت فيها طائرات «بريديتور» الأميركية في أفغانستان. وقد ادعى هذا الأخير أن هذه العمليات قضت على «عدد من القادة». ولا شك في أن هذه الهجمات المفاجئة والمتطورة تسبب ذعراً كبيراً وارتباكاً للمتمردين. كما أن استبدال الأفراد الرئيسين الذين يتمتعون بمهارات خاصة ومعرفة وخبرة يستلزم أشهراً وسيكون محاطاً بالشكوك. ومن الطبيعي أن يحظر في شكلٍ نهائي قيام المتمردين البارزين بأي تحركات في وضح النهار. يتعين على الأميركيين الذين يشغلون طائرات «بريديتور» الاعتماد على المعلومات التي يتم جمعها بشتى الوسائل. ويبين التاريخ الحديث أنه لا يمكن إلغاء استخدام التعذيب. قد تكون المعلومات صحيحةً بالكامل أو قد لا تكون. ولكن بقدر ما هو معروف، فإن قرار من ستتم مهاجمته يعود إمّا الى وكالة الاستخبارات الأميركية التي تقود الطائرات العاملة من دون طيار وتحلّق فوق باكستان واليمن، وإمّا للقوات المسلحة الأميركية العاملة في أفغانستان وليبيا. في الواقع، يغيب الإشراف أو المراقبة الخارجية عن هذه الاغتيالات الجوية. في حين تطلعنا البيانات الصحافية بين الحين والآخر على مهماتٍ ناجحة، ولكن من دون تقديم أي دليل للرأي العام. بيد أن ثمة سؤالاً يطرح: هل تصيب هذه الضربات الشخص المقصود دائماً؟ لقد أوردت مجلة «الإيكونوميست» في عددها الصادر في 30 تموز (يوليو) الماضي ما يأتي: «اكتشفت «مؤسسة أميركا الجديدة»، وهي مؤسسة فكرية في واشنطن، أن 2551 شخصاً قتلوا خلال الهجمات منذ عام 2004. وبالاستناد الى تقارير صحافية، قدّرت المؤسسة أن 80 في المئة من هؤلاء كانوا مقاتلين، وقد ارتفع عددهم الى 95 في المئة خلال عام 2010. وخلال الأشهر الأخيرة، حصل تحول تمثّل بالابتعاد عن تفجير المجمّعات والتوجه الى استهداف المركبات الآلية التي يسهل فيها الوصول الى المقاتلين من دون قتل المدنيين. بيد أن ما يدور على أرض الواقع غالباً ما يكون مختلفاً. إذ أفاد استطلاع أجرته المؤسسة في المناطق القبلية خلال العام الفائت بأن 16 في المئة فقط من السكان يعتقدون أن الطائرات من دون طيار تستهدف المقاتلين بدقة». تزعم الحكومة الباكستانية أن هذه الهجمات الجوية تجرى من دون إذنها وتوحّد الكثير من أفراد المجتمع ضد الولاياتالمتحدة الأميركية. وفي الحقيقة، غدا الأميركيون هنا ولعدد من الأسباب بما فيها قتل بن لادن، غير مرغوب فيهم في باكستان. غير أن العلاقة بين باكستانوالولاياتالمتحدة الأميركية معقدة، كما لا تزال هناك آلية للتعاون بين هذين البلدين. والجدير ذكره أنه يُسمح لهجمات الطائرات من دون طيار غير المحببة بمواصلة عملها بانتظام انطلاقاً من قواعد سرية في بلوشستان... في وقت يستطيع فيه الرئيس آصف علي زرداري أن يوقفها اذا أراد ذلك. وعلى رغم تكلفتها المرتفعة، تعد هذه الطائرات ناجحة للغاية كما تعتبر أسلحة حديثة. وكما في حال الألغام الأرضية والقنابل العنقودية والقذائف الفوسفورية، يتعيّن على الدول المتقدمة والمنظمة أن تفكر ملياً بالطريقة التي ينبغي من خلالها استخدام هذه الأسلحة في عالمنا المتعثر والمضطرب. ليس هناك ما يؤكد أن الاغتيالات الجوية تنتهك قوانين الحرب. كما أن قتل القادة الإرهابيين على يد القوات الخاصة، الذي يجرى في كثيرٍ من الأحيان، ليس مختلفاً. فهؤلاء القادة المزعومون لا يحاكمون، أو في الحقيقة يُمنحون فرصاً كبيرة للاستسلام. لكن في المقابل، ينبغي أن يأتي هذا النوع من الاعتداءات الجوية أو البرية متناسباً، كما يجب بذل كل الجهود من أجل تجنب قتل الزوجات والأولاد كما حصل منذ مدة. فخلال أي حرب تقليدية، يجب ان تكون الهجمات ضد مواقع العدو ومراكزه. * سياسي بريطاني ونائب سابق