الدمُ الذي ليس ليوسُف، خضّب العيونَ والوجنات. هذا ما رآه الشاعر عبدالنبي العناني؛ القاطنُ في الحانة. * يقطعون القاهرة جيئة وذهاباً. حطّت أقدامهم على خاصرة هي الأشهر في حي المهندسين؛ ذلك الحي الأكثر شهرة في تسعينات القرن الماضي. أحدهم يعلق فوق جبينه عشقاً في أول القرى. أما الثاني فيسوي قهوة مُرّة ويسقط أسفل حذائه. جلسوا فوق الخاصرة. كانوا أول الحضور. تفوح من أفواههم روائح النيل جنوباً وشمالاً. ثالث الثلاثة من دلتاها، يملك عيوناً أربعة، ويحمل في صلب ذاكرته كتاباً وشيخاً؛ وفاطمة. تهافت الناس من حول الخاصرة. خاصرة فيفي عبده، كانت الأشهر. بعد أن اعتزلت تحيّة الرقص وتفرغت للتمثيل وقضت سامية نحبها. أما نجوى فقد تهدّلت خاصرتها كثيراً. مائدة رحمن هي الأشهر. جوعى كانوا. لا لحاجة، وإنما من أجلها. سلافة الروح. يقدرون على الجوع ولا يقدرون على غيابها. كانت الخاصرة تساقط لحم طيرٍ مما يشتهون. نظروا في عيون بعضهم البعض، وقد أعدوا العدة. مُستقبِلهم يقطع الخاصرة جيئة وذهاباً، وقد أطلق منخريه للروائح. علا صوته: الخاصرة للصائمين. الخاصرة تستحق صيام دَاوُد. دَاوُد كان يصوم يوماً، ويفطر يوماً، يا أبناء الأفاعي. على عجلٍ وقبل أن ينتهي المؤذن من التشهد، كانوا قد مسحوا الأطباق والأطباق التي تجاورها. وقفوا؛ ثلاثتهم، صافحوه وأعلنوا عليه وظائفهم. بغمزةٍ من عين العاشق، نطَق بها صاحب العيون الأربعة:- يللا يا أستاذ جرجس. خلع مُودِعُهم قفطانه. رمى به في منتصف الخاصرة. شدّ من أنفه: - وكمان جرجس!! * خلاسيةٌ فارعة. كأنها خرجت من ضلع آدم للتو. تشفط الهواء بمنخري رجلٍ فرعوني. بؤبؤ عينيها يشبه الوسادة، وقد افترشها ذئب، أنيابه خُضبت بدماء ليست ليوسف. تجلس إلى طاولة نائية. الحانة على بكرة أبيها تعج بالنساء (النساء اللواتي يضعن المساحيق) وكوردةٍ قد عُلقت في صديرية أحدهم، كانت كل واحدة قد علّقت رجلاً في ضفائرها. الخلاسية من فوق الطاولة النائية، أشعلت جذوة من نار في منخريّ الرجل الذي تحمله. كانت الأنفاس تتسارع. سارعت النسوة اللواتي غسلن المساحيق بدمع كان يسبقها، بفك الضفائر، طوّحن شعورهن، أطلقنه، جلسن من تحت طاولتها في دوائر، يرقبن منخريِّ الرجل. استعملن هواتفهن. جلبن نداباتٍ. زجاجات كانت قد قُطُّرت من دمع، ومِلحٍ أجاج. منخارا الرجل في الذروة. زفرَ في وجوههن ناراً. كنتُ أشم رائحة الشواء، وأرقبُ دمعَهُ ينساب على خديه، والذئبَ وقد مزّق الوسادةَ.