هل انتهى زمن برامج الحوار الساخنة؟ نعني هنا بالذات تلك البرامج التي ميّزت الفضائيات الإخبارية العربية عقداً ويزيد، بل لعلّها كانت خلال سنوات ذلك العقد علامتها المميزة، وحضورها الأكثر صخباً والأشد تأثيراً في مشاهديها في كل البلدان العربية والمهجر. من يتابع الفضائيات العربية لا بد أن يلاحظ أن تلك السجالات السياسية الصاخبة انسحبت من "أطرها" الخاصة التي كانت تستقل بها، لتأخذ حيّزاً آخر، هو النشرات الإخبارية التي زادت من استضافتها للمعلقين السياسيين والمحللين الإخباريين. هنا في الحيز الجديد جرى اختصار دقائق السجالات إلى حد بعيد وصارت أقرب إلى تعليقات سريعة، يتبادل خلالها النقيضان السياسيان الآراء الحادّة، وإن بسوية مغايرة، وأداء تلفزيوني مختلف. الصامد من برامج الحوار على القنوات الفضائية قليل بل نادر، وهو غالباً لم يعد يحظى بالكثافة التقليدية لمتابعة المشاهدين العرب، ربما بسبب الأحداث السياسية العربية المتلاحقة والسريعة، والتي لا تكاد تترك وقتاً للإعداد التلفزيوني الهادئ، والذي هو سمة مميّزة للعمق، وشرط ضروري لتحقيق سجالات ذات سويّة فكرية وفنية عالية. هي لعبة التلفزيون؟ ربما، لكنها أيضاً فريضة التسارع الحدثي، والذي يفترض أن تتكيف معه حال البرامج التلفزيونية، ومنها خصوصاً تلك البرامج التي تعرف القنوات كلُها أنها تحظى عادة بمشاهدات كثيفة لا يجوز أن تفسدها آفة الملل. مع ذلك، يطيب لنا أن نذكر هنا أنه كان بالإمكان أبدع مما كان، نعني أنه كان يمكن تطوير طرق إعداد وتقديم تلك البرامج على نحو تتخلّص معه من كلّ عيوبها التي جعلت أعمارها قصيرة، بل التي جعلتها تقع في الرتابة وتفقد قدرتها على إثارة الدهشة عند المشاهد. وهي دهشة لاحظنا أنها تحققت بصورة واسعة في زمن البدايات، لكنها لم تصمد طويلاً، وراحت تتلاشى وإن ليس بسرعة. برامج الحوارات العربية دخلت حياتنا كلون فاقع، مثير وجذّاب، واستقطبت حضورنا أمام الشاشة الصغيرة، زمناً ليس بالقليل، فصارت جزءاً من مشاهداتنا الليلية، فهل تعود لبهائها بأشكال ومضامين جديدة؟