يثير الدهشة أن الفضائيات الفلسطينية بما هي مساحات إعلامية لقضية سياسية ووجودية كبرى، تغيب منها برامج الحوار، العميق، والذي يمنح فرصاً للاتجاهات السياسية على اختلاف تلاوينها. يحدث أن تستضيف هذه الفضائيات شخصيات سياسية أو فكرية، لكنها - في الغالب - من لون واحد، وتقدم للمشاهد - المواطن رأياً واحداً وإن بكلمات وجمل مختلفة. الدهشة التي نشير إليها هنا تأتي من فهم إعلامي يعاكس الحقيقة المفترضة: ففي وقت يطمح فيه الفلسطينيون أن تلعب فضائياتهم دور المواطن وتتلمّس همومه، نجدها تلتصق قدر استطاعتها برسميتها، ونعني بالرسمية هنا الجهات التي تمتلك تلك الفضائيات وتوظفها لترويج سياساتها ليس إلا. لا نتحدث هنا عن الشأن السياسي الرسمي فحسب بل أيضاً عن غياب أيّ تفاعل تلفزيوني مع المجتمع المدني عموماً، ومع منظماته وأنشطتها وحراكها على وجه الخصوص. وهي ظاهرة بدت واضحة للجميع خلال الحراك الشبابي الذي حدث من أجل إنهاء الانقسام الوطني قبل شهور قليلة. يومها كان جليّاً للمراقب كيف عزفت فضائيات الطرفين عن تغطية أنشطة ذلك الحراك، وهي حين فعلت في مرّات نادرة، فعلته بكيفيات محسوبة، أبرز ملامحها الحرص على عدم الذهاب بعيداً في التغطية. كان أداء تلك الفضائيات محكوماً بالخشية من توسيع عدساتها، حتى مع أولئك الذين تنحاز لرؤيتهم من الشباب، الذين يرى القائمون على تلك الفضائيات أنهم يمتلكون «تفسيرات» قد لا تروق لها، أو قد تتعارض مع غاياتها المستقبلية. مع ذلك فالمفارقة تصبح أكبر وأوسع حين نرى الفضائيات الإخبارية العربية الكبرى أفردت مساحات واسعة لذلك الحراك الشبابي، بل واستضاف بعضها ندوات حوار مفتوحة، كان من الواجب عقد مثيل لها في الفضائيات الفلسطينية، وهو ما لم يحدث ولو لمرة. هي سياسة إعلامية تنحاز إلى صفة «الرّسمية»، في زمن باتت فيه القنوات التلفزيونية الحكومية تتخفف من بعض ذلك كي تقترب من جمهور مشاهديها وكي تواصل الوقوف على أقدام ثابتة أمام الفضائيات الخاصة. يقولون دوماً أن أزمة الفضائيات الفلسطينية تبدأ من إمكاناتها المالية وهو قول صحيح، لكنه ناقص، إذ ماذا يفعل المال في غياب الدور الحقيقي والسياسة الإعلامية الصائبة؟