حدّة التنافس بين الفضائيات العربية عالية، بل غير مسبوقة، وهي باتت أقرب إلى سباق المسافات الطويلة الذي ينجح فيه من يملكون القدرة على احتمال الصعاب، وتجديد أنفسهم، مع فارق جوهري أنه سباق لا نهايات له منظورة. الفوز أو النجاح هنا يتحدد في صورة متواصلة ومنظورة لأعين ملايين المراقبين من المشاهدين الذين تبث لهم الفضائيات، والذين يشكلون مصدر وجودها واستمرارها. نتحدث في سياق كهذا عن التشابه بالذات: لا يلحظ المشاهد المهتم والمتابع أن برامج الحوار مثلاً تختلف كثيراً بعضها عن بعض، بل تكاد تتوافق في عيوبها وثغراتها إلا في حالات نادرة. الأمر ذاته بل وبصورة أوضح نجده في البرامج الفنية وبرامج المسابقات وما يشابهها، اذ يسود ما يقارب نمطاً موحداً تتبعه معظم القنوات الفضائية العربية، لم يتغير منذ عقد ونصف، ولا يبدو أنه في طريقه للتغيير والتطوير في المدى المنظور على الأقل. تبرز هذه الحالة من التشابه والرتابة بصورة أوضح في الفضائيات «العامة»، وتختلف قليلاً في الفضائيات الإخبارية بسبب طبيعة وظائفهما، ففي تلك الفضائيات العامة يبدو واضحاً اللهاث وراء هدف ملء الفراغ في ساعات البث الطويلة على نحو يحمل الكثير من الغث، المعد للبث على عجلة، والسطحي البعيد من ملامسة ما هو مهم وضروري للمشاهدين. نضيف إلى ذلك مأزق ضياع تلك القنوات في تفسيرها للبث الفضائي ذاته، أعني هنا سؤال المحلية، الذي يفترض اهتماماً بقضايا محددة لجمهور محدد، وبين نمط آخر من الاهتمامات يمكن أن تكون «عامة» تخص المشاهدين العرب في مختلف أماكن عيشهم. هي أسئلة تقع في مساحة مختلطة تجمع ما هو فني بما هو فكري، وهي لذلك تحتاج بالضرورة تخطيطاً مسبقاً وطويل الأمد، والأهم من هذا وذاك امتلاك رؤية واضحة لمفهوم العمل التلفزيوني كما لوظيفة القناة بالذات، أي أن تكون للقناة الفضائية «دراسة جدوى» تحدد لها مسبقاً الغاية والهدف وإلا ضاعت في هواء البث الفضائي المتحرك وغرقت وأغرقت معها المشاهدين في العبثية واللاجدوى. التخطيط والرؤية المسبقة والدراسات الجادة ليست ترفاً في عالم المنافسات الحادة.