التزم الناشرون العرب الذين يحترمون قواعد النشر وأصوله، الخطة التي وضعتها أخيراً لجنة تمثلهم، وفي مقدّم أهدافها مواجهة القرصنة والمقرصنين، وضمان حقوق المؤلف والترجمة. وقبل أيام، تسابقت دور معروفة للحصول على حقوق ترجمة، ونشر، كتاب «نار وغضب» الذي أحدث ويحدث ضجة في أميركا وفي الدول الغربية التي تُرجم إليها فوراً، وفيه يتناول الصحافي الأميركي مايكل وولف مسيرة الرئيس دونالد ترامب وما تخللها من فضائح. وحصلت شركة المطبوعات للتوزيع والنشر (لبنان) على الحقوق من شركة وايلي (أميركا - بريطانيا)، ووقعت الاتفاق الرسمي وباشرت بترجمة الكتاب، مستبقة أي دار قد تقترف «جناية» قرصنته وترجمته وتوزيعه بطريقة غير شرعية. وكان الكتاب قُرصن إلكترونياً من خلال ترجمة عربية سيئة وغير مفهومة عبر «غوغل»، وهي ترجمة رُفضت تماماً. لكن رغم أن شركة المطبوعات حفظت حقها في الترجمة، فالخوف من القرصنة لا يزال قائماً، خصوصاً في بلاد مثل سورية والعراق ومصر. ففي سورية على سبيل المثل، تُقبِل الدور على ترجمة الكتب الرائجة عالمياً ولا تنتظر صدورها لقرصنتها. وكم من كتب من الأدب العالمي عَرفت هنا وهناك ترجمات غير شرعية واعتباطية وركيكة، معظمها عن لغة وسيطة، زاحمت الترجمة الشرعية و»الرسمية» التي تعتمد اللغة الأم. وقد تكون ترجمات روايات الكاتب الكولومبي الكبير غبريال غارثيا ماركيز خير مثال على الفوضى التي تتخبط فيها حركة الترجمة والنشر عربياً. وأخيراً، في ميدان الترجمة «الماركيزية» العربية، أقبلت دار التنوير (لبنان– مصر) على شراء حقوق ترجمة كل أعمال صاحب «خريف البطريرك»، لتصبح هذه الدار المالك الشرعي لهذه الأعمال بالعربية. قد تفاجئ هذه المبادرة التي قامت الدار بها، خصوصاً في أوج انتشار ترجمات روايات ماركيز ورواجها في كل البلدان العربية من غير استثناء، وبلوغ أرقام مبيعها مرتبة عالية جداً، وكل هذه الترجمات كان مقرصناً، وبعض منها تمّ عن لغات وسيطة، كالفرنسية والإنكليزية، وليس عن الإسبانية. ويقول صاحب الدار الناشر حسن ياغي ل «الحياة» إن مبادرته هذه «هي مغامرة حقيقية»، وكان على علم بما سيتكبد من خسائر في المرحلة الأولى، خصوصاً أن كلفة شراء الحقوق باهظة لناشر عربي، وفي ظروف رهيبة من القرصنة والسرقة المعلنة. ويعترف بأن ثمن حقوق رواية «مئة عام من العزلة» فقط يفوق قدرة الناشر العربي في ظروف القرصنة. فالناشرون الأجانب يملكون فكرة غير صحيحة عن القراءة في العالم العربي، ويربطونها بملايين المواطنين العرب، ويفوتهم طبعاً أن نسبة القراءة متدنية كل التدني عربياً، وفق إحصاءات «منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة» (يونيسكو) وسواها. «شئت أن أغامر، وأصررت على التزام القوانين العالمية لحقوق الترجمة والنشر، ومهما بلغت الخسائر فلا بد من تحملها أملاً بأن تسوّى الأمور لاحقاً، بعد مكافحة القرصنة»، يعترف ياغي، مضيفاً أن دوراً نشرت سابقاً روايات الكاتب الكولومبي تجاوبت مع خطوته وسحبت تلك الروايات من الأسواق، ومنها المؤسسة العربية للدراسات والنشر (لبنان- الأردن)، ودار المدى (العراق)، ودار آفاق (مصر). والاتصالات لا تزال قائمة. لكنّ ناشرين آخرين وأصحاب مكتبات وأكشاك لن يلتزموا، وهذه مشكلة بذاتها. وأبرم ياغي اتفاقه مع شركة «كارمن» التي تملك حقوق النشر والترجمة من الأدب الإسباني والأميركي- اللاتيني ومركزها برشلونة، ويفضل مثل كل الناشرين، عدم الإعلان عن أسعار الحقوق. ويصر على أن تتم ترجمات ماركيز كلها عن الإسبانية مباشرة، وبدأ بالتعاون مع المترجم المعروف صالح علماني المتخصص في ترجمة الأدب الإسباني.