تشهد البحرين نشاطاً تشكيلياً متواصلاً كان مكثفاً خلال مهرجان «ربيع الثقافة» وهو المهرجان الذي يُعقد سنوياً وتتوزع فعالياته على عدد من الجهات الخاصة والحكومية، ويستمر النشاط التشكيلي خلاله وتتوزعه قاعات في متحف البحرين أو «البارح» أو مركز «الشيخ ابراهيم بن محمد آل خليفة» أو قاعات الجمعيات التشكيلية، وغيرها. في قاعة «البارح» اختتم الفنان البحريني محمد المهدي معرضاً فردياً هو الاول له وعنوانه «الذاكرة المفتوحة». يستلهم محمد المهدي من روح الاطفال وعفويتهم ما يذكرنا بصيغ بعض الفنانين مع اختلاف في هيئة أو شكل ما يرسم. تربط معظم الفنانين الذين يستوحون رسوم الاطفال او يعيدون ذاكرتهم الى طفولتهم، النظرة التخيلية للعناصر الطائرة وكأنها تعكس ذاتية الفنان وحلمه. هذه الروح التي تحملها اعمال المهدي هي اشبه باستعادات، فالروح العامة التي تظهر عليها اللوحة هي تلك الاجواء التي يمكن ان تستعيد اجواء الطفولة بكل براءتها وبساطتها وعمله في المعرض السنوي البحريني الرابع والثلاثين استحق - لاختلافه وتميزه - جائزة المعرض. وقد ذكرتني اعمال الفنان المهدي بتجربة مماثلة لفنان سعودي هو عبدالعزيز الناجم الذي يقيم معرضاً في قاعة «عهود» في الرياض. في لوحة المهدي اطفال والعاب بينها سيارات، وحيوانات متوحشة وقطط وطيور وكائنات اخرى وعربات وعرائس وقلوب وخطوط وحقائب وزهور وسواها، مما يمكن ان يتصوره الفنان قريباً من تفكير أو اختيارات الطفل. ولا شك انه في ذلك يتقمص الحالة أو يستعيدها ولكن بتأثير خبرات أو معارف الكبار، فالطفولة، وان لامس هيئتها في صيغ رسوم والتأثر بخصائصها، فهو يرسم مثلاً شخصاً بهيئة كبيرة محاطة بهيئات تصغرها، وهو تمثيل مباشر لرسوم الاطفال تتحقق وفق رؤية طفولية بحتة يستعيدها الفنان بادواته الخاصة وخبراته. والفنان في هذا السياق الاستعادي يؤكد بالقول ان اعماله تعود الى طفولته وقد وجد في احدى الخزائن في منزله رسومه وهو طفل ليتخذ من تلك النتائج اسلوبه الحالي. يعتبر هذا المعرض للمهدي احدث المعارض، ويقام في القاعة ذاتها حالياً معرض للفنان الاردني محمد العامري هو الثاني له في المكان نفسه وعنوانه مستوحى من احدى قصائد محمود درويش «اثر الفراشة». كانت الفترة السابقة حافلة بالمعارض المختلفة، فقاعة جمعية البحرين للفن المعاصر شهدت معرضاًً شخصياًً للفنانة التشكيلية المصرية جيهان صالح التي تقيم وتعمل في البحرين، ومعرضها وهو الاول، يغلب فيه تناول الحرف العربي واستثمار طاقاته، فالاعمال تتشكل وفق نظرة تستلهم وتسعى الى صوغ لوحة يظهر فيها الحرف ويغيب، لكنها تنوّع من جانب اخر على التقنية عندما تتعامل مع الطباعة او تستخدم المعاجين او انها تكتفي بتبسيط المعالجة الفنية بما يضعها في سياق الاستلهام العفوي. وجيهان المولودة في الاسكندرية عام 1973 تحمل شهادة بكالوريوس في التربية النوعية (1995) وتشارك في المعارض منذ 1992. في قاعة «البارح» اقيم معرض للفنان السوري طلال معلا وافتتحته الشيخة مي ال خليفة وزيرة الثقافة والاعلام، وقالت هيفاء الجشي صاحبة القاعة «ان هذا المعرض استمرار لذواتنا المتمثلة في وجوه طلال معلا، وهو دعوة للتوغل اكثر في وجوهنا وقراءة السمات الاساسية التي تشي بها اعماله خارج المرآة». تعامل الفنان طلال معلا في مجمل الاعمال مع الوجه الانساني ساعياً الى الاختلاف عن عدد ممن تعاملوا او تناولوا الوجه. ومع تعدد الاسماء وكثرتها الا ان معلا يستند الى ملامح خاصة تطبع وجوهه، فالتحوير والتبسيط اللذان تمثلهما معالجاته يتضحان في اللون ايضاً كما هو الشكل، وليس هناك من تفاصيل تحد من حرية تعامله وليس من اطر سوى ما يحقق الحالة التعبيرية. إنه يفسح للوجه حيزه الخاص ومساحته التي يُرى فيها ومن خلالها، ويأخذنا الى منطقه الخاص في التعامل والمشاهدة والتفاعل أيضاً مع الحالة الانسانية. وان لم يكن بعيداً عن ملامح محددة الا انه طبعه بتلويناته الخاصة التي يراها اقرب الى تمثيل الحالة. طلال معلا اشرف ضمن لجنة فنية على اعمال بينالي الشارقة لدورات عدة وهو يرأس المركز العربي للفنون في الشارقة، كتب عن الفن التشكيلي العربي وله بعض الاصدارات التشكيلية. معرض مشترك شهدته أيضاً قاعة العروض الدائمة في متحف البحرين لفنانين من البحرين والمانيا تنوع بين اللوحات الفنية والمنحوتات والصور الضوئية، وتنوعت اتجاهاته المختلفة. من بين المشاركين من البحرين: علي المحميد وخليل الهاشمي وفائقة الحسن وعدنان الاحمد... معرض مشترك سبق أن شهدته قاعة البارح وشارك فيه «احمد البحراني ومحمود العبيدي وهما عراقيان وجعفر العريبي من البحرين وسلمان المالك وعلي حسن من قطر».. التجربة التي حددتها بعض القياسات الملائمة للمكان ولخاصية المعرض او فكرته جاءت على نحو من التناغم، فالمجموعة تحركت وفق رؤية محددة، فكان المستوى متقارباً والاعمال لم تخرج عن اطار الاعمال الاصغر اذا عرفنا قياسات اعمال البعض من الفنانين او تحول احمد البحراني الى الرسم بدلا من اعمال النحت. وفي معرضها الاحدث قدمت الفنانة العراقية فريال الاعظمي تجربة لم تخل من اثر اهتماماتها السابقة، وهي تستوحي من التاريخ او الأثر العربي على مستوى الكتابة مثلاً. فاعمال معرضها «عندما تتحول الكلمة الى عبق من نور» اعتمد ت الخامة والكلمة والحرف وصيغاً تميل الى الزخرفي والمباشر. قاعة جمعية البحرين للفن المعاصر شهدت نشاطاً تشكيلياً مشتركاً لبعض الشابات السعوديات، والعربيات المقيمات في البحرين. فالسعودية حميدة السنان حضرت بمجموعة من الفتيات الشابات من المنطقة الشرقية يعرضن الى جانب رسامات من البحرين والسودان ومصر، وبينهن ليلى نصرالله ومهدية ال طالب ورجاء الشافعي وسيما عبدالحي وازهار المدلوح من السعودية، وشاركت من البحرين هدير البقالي وفاطمة سرحان الى جانب المصرية جيهان صالح والسودانية عايدة سيد احمد والايطالية سيمون روموني، وهن مقيمات في البحرين، والقى الكاتب يوسف شغري محاضرة عن تجربة الرسامات. هذا المعرض نشاط نسوي وقد سبقه معرض اقامته قاعة «لحظ» في الرياض لمجموعة من التشكيليات السعوديات قبل عامين تقريباً في القاعة نفسها، وانشطة اخرى مماثلة شهدتها اكثر من دولة خليجية وعربية.