اتفق معلقون إسرائيليون في الشؤون الحزبية على اعتبار تظاهر عشرات الآلاف في تل أبيب مساء أول من أمس ضد «الفساد في الحُكم»، طلقة البداية لحركة احتجاج شعبية غير حزبية وواسعة و «بداية اتجاه جديد» في تصدي الإسرائيليين ل «ماكينة التعالي على سلطة القانون التي يقودها (رئيس الحكومة بنيامين) نتانياهو»، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن التظاهرة أحدثت تصدعات داخل حزب «ليكود» الحاكم في انتظار أعضاء بارزين فيه يرفعون صوتهم ضد «استبداد نتانياهو». وأجبرت التظاهرة نتانياهو أمس على إبلاغ مقدمي مشروع «قانون التوصيات»، في شكل مفاجئ، بوجوب تعديله على ألا يتم تطبيقه بأثر رجعي، أي في الملفات المفتوحة ضده. وينص القانون على منع الشرطة من وضع توصيات تقدمها للمستشار القضائي في اختتام تحقيقاتها الجنائية مع مشتبه بارتكاب جنايات. ويهدف القانون إلى منع الشرطة من وضع توصيات في تحقيقاتها مع نتانياهو في ملفي فساد، وسط توقعات بأن لدى الشرطة أدلة كافية لتوصي المستشار بتقديم لائحة اتهام ضد نتانياهو بتلقي الرشوة وخيانة الأمانة. ويخشى نتانياهو وأوساطه الداعمة في ليكود أن يؤدي نشر توصيات كهذه إلى رأي عام ضاغط يحمل رئيس الحكومة على الاستقالة. وفاجأ عدد المشاركين في التظاهرة، المُقدر بنحو 50 ألفاً، المنظمين أنفسهم، وهم ليسوا محسوبين على أية جهة حزبية، بينهم ثلاثة ضباط في الاحتياط برتبة لواء ونائب سابق لرئيس هيئة الأركان، موشيه كابلينسكي، وعوزي أراد، المستشار السياسي السابق لنتانياهو. وأكد المنظمون أن مشروع «قانون التوصيات»، الذي أقره الكنيست الأسبوع الماضي بالقراءة الأولى ويتوقع التصويت عليه اليوم بالقراءتين الثانية والثالثة، هو «القشة التي قصمت ظهرهم» وأخرج عشرات الآلاف من منازلهم ليقولوا «كفى فساداً، انصرف يا نتانياهو» و «سئمناكم أيها الفاسدون»، كما جاء في اللافتات. وتوقع معلقون أن تُنهي التظاهرة العفوية الضخمة صمت بعض نواب ليكود، خوفاً من أن يُدمغوا هم أيضاً بالفساد إذا دافعوا عن نتانياهو، فيعلنوا معارضتهم مشروع القانون، مثلما فعل النائب المخضرم بيني بيغين، وهو الوحيد بين 30 نائباً من الحزب الذي تجرأ على إسماع معارضته. ولم يُعرف بعد ما إذا كان مشروع القانون سيحظى بتأييد جميع أعضاء الائتلاف الحكومي في الكنيست اليوم، إذ إضافة إلى بيغين، أعلن ثلاثة نواب من حزب «كلنا» عن امتعاضهم من القانون وأنهم لن يصوتوا إلى جانبه. كما يستعد أعضاء المعارضة لطرح مئات التحفظات على القانون بهدف إرجاء التصويت عليه. وترددت كلمة «عيب» في عشرات اللافتات التي رفعها المتظاهرون وكررها الخطباء في كلماتهم. وربط المتحدثون بين المال والسلطة والعالم السفلي ونددوا ب «توجه إسرائيل نحو الديكتاتورية». وكتب كبير المعلقين في «يديعوت أحرونوت» ناحوم بارنياع، أن نتانياهو ليس من أوجد الفساد في الحُكم «لكنه أول من حاول أن يغير قواعد اللعبة الديموقراطية وأول من أعلن أنه سيكسر كل الأواني»، وأضاف أن «استخدامه السيء لقوة منصبه أخطر بكثير من الشبهات الجنائية المنسوبة إليه». ورأت زميلته المعلقة سيما كدمون أن قوة التظاهرة تكمن في أنها ليست سياسية، كما أن غالبية المشاركين فيها من العلمانيين، «وليست من الشباب بل من الآباء والأجداد الذين يخشون على مصير دولتهم من وابل القوانين غير الديموقراطية التي يتم تشريعها في السنوات الأخيرة».