خلافاً للتحقيقات السابقة (عشرة ملفات) التي خضع لها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتانياهو (منذ عام 1996) مع وحدة مكافحة الفساد في الشرطة في شبهات ضلوعه بالفساد وانتهت بلا شيء، فإن ثمة اعتقاداً يتعزز يوماً بعد يوماً بأن ملفيْ التحقيق الحاليين سيؤولان إلى لائحة اتهام ضد نتانياهو تضطره إلى الاستقالة وإنهاء حقبة حكم امتدت 11 عاماً (ثمانية منها متواصلة)، أو «تعليق مهماته» في أحسن الأحوال. ويبدو ملف التحقيق في التسجيل الصوتي لمفاوضات بين نتانياهو ومالِك صحيفة «يديعوت أحرونوت» أرنون (نوني) موزس سيكون الملف الذي يسقط نتانياهو عن عرشه على رغم التفاوت في وجهات نظر رجال القانون عما إذا كانت هذه المفاوضات (التي فشلت) مخالفة جنائية (رشوة) أم فقط «صفقة» ذات رائحة كريهة على الصعيد الشعبي والعام، يضاف إليها الملف الثاني المتعلق بشبهات تلقي نتانياهو هدايا من أصدقائه بعشرات آلاف الدولار واعتبار ذلك «منافع مالية» أو أيضاً تهمة فساد ورشوة. وكانت التسجيلات ابرزت محاولة موزس إبرام صفقة تقضي بأن يقوم «بتدليل» رئيس الحكومة بمقالات مؤيدة وتشغيل من يختار في الصحيفة، في مقابل قيام نتانياهو بتشريع قانون يمنع الصحف المجانية في إسرائيل، ما يعني منع توزيع صحيفة «يسرائيل هيوم» مجاناً، وهكذا تعود صدارة الانتشار والاحتكار في سوق الصحف إلى «يديعوت أحرونوت». ويستذكر معلقون ما حصل لرئيس الحكومة السابق ايهود اولمرت الذي تعرض في سنوات حكمه إلى تحقيق جنائي في ملفات كثيرة ورفض التخلي عن كرسيه والتفرغ للتحقيق لنفي التهمة، لكن إصراره هذا سقط حين أطلق وزير الدفاع في حكومته ايهود باراك دعوة صريحة له بالاستقالة، تبعته وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بدعوة مماثلة حملت في نهاية المطاف اولمرت إلى الاستقالة وإجراء انتخابات أتت مطلع العام 2009 بنتانياهو إلى الحكم، وحكم اولمرت بالسجن. وثمة سؤال عن هوية الوزير الأول في الحكومة الذي سيجرؤ على مطالبة نتانياهو بالتنحي، ولو موقتاً، عن كرسيه في ظل مواصلة الإعلام الانشغال في ملف الصفقة التي لم تُبرم مع مالك «يديعوت» وتصدرتها العناوين. ويحاول أقطاب في حزب «ليكود» الذي يتزعمه نتانياهو، بالتظاهر بأن الحزب يقف وراء زعيمه، لكن باستثناء الوزير تساحي هنغبي القريب من رئيس الحكومة الذي يتنقل بين محطات الإذاعة والتلفزة ليدافع عن معلمه، فإن غالبية وزراء الحزب يلتزمون الصمت. كذلك يلتزم قادة الأحزاب الشريكة في الائتلاف الحكومة هم أيضاً الصمت، ليبقى السؤال من سيكون «باراك الثاني» الذي سيجرؤ على إطلاق الدعوة لنتانياهو للاستقالة. ومع كشف يومي عن تفاصيل جديدة في المفاوضات بين نتانياهو وموزس، ترتفع أصوات رجال قانون وقضاة متقاعدين وصحافيين نافذين تطالب المستشار القضائي للحكومة أفيحاي مندلبليت بالكشف رسمياً عن مضمون المفاوضات والبت في ما إذا كانت تنطوي على جناية الفساد. وجاء لافتاً أن اثنين من كبار الصحافيين في «يديعوت أحرونوت»، هما ناحوم بارنياع وسيما كدمون، انتقدا في مقالات رئيسة في الصحيفة مشغلّهما على محاولته إغراء نتانياهو بمقالات مؤيدة، معتبرين ذلك مساً خطيراً بهم وبسمعتهم وبمهنة الصحافة وبأسس الديموقراطية. ولم تتردد كدمون في مطالبة موزس عن تعليق مهماته في الصحيفة إلى حين انتهاء التحقيق. ويرى مراقبون أن موقف الصحافييْن النافذين قد يؤثر في نواب أو وزراء في «ليكود»، ليحذوا حذوهما ويطالبوا زعيم الحزب، رئيس الحكومة، بالتنحي. واعتبر المدعي العام السابق المحامي عيران شندار ما تم نشره حتى الآن من تسجيلات للمحادثات بين موزس ونتانياهو مؤشراً إلى «اقتراح رشوة»، مضيفاً أن تلقي نتانياهو هدايا بعشرات آلاف الدولارات من أصدقاء من دون أن يبادلهم نتانياهو الهدايا، وكونهم رجال أعمال، يقود إلى «تضارب مصالح، وربما نكون في الملعب الجنائي». وراجت أمس أنباء عن تحركات في المعارضة لتنصيب بديل لنتانياهو. وذكرت صحيفة «هآرتس» أن أوساطاً قريبة من زعيم المعسكر الصهيوني» اسحق هرتسوغ أكدت لزعيم حزب «كلنا» وزير المال موشيه كحلون دعم الحزب لترؤس حكومة بديلة. ورد الوزير هنغبي على هذا الخبر بالتأكيد بأن «كحلون لن يغدر بنتانياهو، ولن يكرر خطأ باراك الذي خان رئيس حكومته ودفع الثمن لاحقاً واختفى من الحياة السياسية». وتستعد مجموعة «انقلاب» في «المعسكر الصهيوني» المعارض وحركة «ميرتس» اليسارية ومنظمات يسارية، لتظاهرة احتجاج مساء السبت في تل أبيب تحت شعار «أيها الفاسدون، سئمناكم»، في محاولة لتحويل التحقيق مع نتانياهو إلى احتجاج سياسي. وأوضح المنظمون أن القضايا المنسوبة لنتانياهو «ليست فقط في المسار القضائي إنما الأخلاقي، إذ لا يعقل أن يقدم رئيس حكومة مصالحه الشخصية على المصلحة العامة».