خرج كثير من نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية منذ يومين، من مأزق وجع المشاهد الصادمة التي خلفتها الأمطار في شوارع مدينة جدة، بتحويلها إلى مادة ساخرة مضحكة، في محاولة لتجاوز حال الذهول الذي خيم على المشهد العام في مدينة جدة التي تعاصر الذكرى الثامنة لمأساة 2009 التي أودت بحياة نحو 116 شخصاً توفوا غرقاً، إضافة إلى أضعاف هذا العدد من المصابين. وقاطعت عروس البحر الأحمر كوارث السيول لسنوات خلت، قبل أن تستيقظ أول من أمس وهي مقطعة الأوصال غريقة بفستان زفافها الذي لم يكتمل بعد. وصاحب المشهد المؤلم الذي بدأ الناس بتناقل أخباره وصوره باكراً في جدة، تلك اللمسات الساخرة في مشهد «هم يبكّي وهم يضحّك» بعد أن توقفت حركة المرور وشلت حركة الطيران، وغرقت السيارات وشوهد الناس وسط السيول، حتى طفح كيل المواطن «الغارق» بهمه وكمده من انتقاد المسؤولين والقائمين على مشاريع التصريف لسنوات، ليتوجهوا إلى «الكوميديا السوداء» عبر صوت «العمة خيرية» التي نادت المواطنين وحثتهم على التريث وإعطاء أمين جدة «فرصة»، للنظر في مشروعه الذي يريد أن ينجزه لمدينة جدة، عبر تسجيل صوتي انتشر بسرعة انتشار النار في الهشيم عبر برامج ووسائل الاتصال، في محاولة أخيرة لامتصاص غضب الناس وتحويل شحوب ملامحهم إلى ابتسامة من خلال صوتها. ولم تدخر «العمة خيرية» جهداً في محاولة إقناع الناس بتوجيه النقد البناء للأمين وعدم الهجوم عليه، وقالت: «لا تستعجلوا الحكم على الرجل، وأنه يسير حسب خطة وهو تحويل جدة إلى (عائمة) لتصبح مدينة سياحية أسوة بمدينة فينسيا التي يتم التنقل فيها بواسطة القوارب». بينما اتجه جزء آخر ممن أضناهم النقد وتوجيه الاتهامات إلى اعتبار أن ما حدث ويحدث في جدة هو كارثة طبيعية، ليس للفساد أي يد فيها وهو ما قد يحدث في غالبية مدن العالم، متجاهلين قضايا الفساد التي دارت في محاكم الغربية لثمان سنوات متواصلة، والبلايين التي صرفت على مشاريع لم ينجز منها ما يعفي العروس من ربع الغرق. ولكن الغالبية سلكوا طريق «العمة خيرية» في محاولة للتنفيس من غضب «الحادثة»، ونشر الصور التي تبين مدى تأقلم سكان مدينة جدة على السيول باتخاذهم حلولاً موقتة عبر بعض القوارب توصلهم إلى بر الأمان القريب، فقد ظهرت رياضة ركوب الأمواج في شوارع جدة الغارقة، وحضور المواهب المدفونة، وكان فيديو الفتاة السائرة على أمواج السيول يرسم ابتسامة بغرابته ودهشة الناس من طرق تحويل المعاناة لفكاهة. وعلى رغم طريق السخرية الذي التحق به العديد من الناس، إلا أن رائحة الغضب والحنق تفوح منه، في صورة جلية ل«ما باليد حيلة»، أمام أمواج مياه السيول التي لم تبقِ ولم تذر شارعاً أو حياً في جدة إلا ومرت به.