بدأ أمس انتشار مئات الآلاف من جنود الجيش والشرطة في مختلف محافظات مصر لتأمين الاقتراع في انتخابات الرئاسة المقررة يومي الاثنين والثلثاء المقبلين، كما بدأ القضاة في التوافد على المناطق المُكلفين الإشراف على لجانها الانتخابية، خصوصاً النائية منها غداة الانتهاء من توزيعهم على اللجان. وينتشر اليوم عشرات المراقبين الأوروبيين والأفارقة والمصريين في مختلف المحافظات ل «متابعة» عملية الاقتراع. وتبدأ غداً فترة الصمت الانتخابي التي تُمنع خلالها الدعاية لأي من المرشحين في الانتخابات وزير الدفاع السابق عبدالفتاح السيسي والقيادي الناصري حمدين صباحي. وحذرت اللجنة العليا للانتخابات من فرض عقوبات على من يخرق هذا الصمت. ويختتم السيسي دعايته الانتخابية بكلمة سيوجهها إلى المصريين عبر التلفزيون الرسمي والفضائيات، يحضهم فيها على المشاركة في الاقتراع «كي يعي العالم حقيقة ما حدث في 3 يوليو» حين أعلن الجيش بالتوافق مع قوى سياسية ودينية عزل الرئيس السابق محمد مرسي، فيما فضل صباحي أن يُنهي دعايته بمؤتمر جماهيري حاشد يُعقد مساء اليوم أمام قصر عابدين الرئاسي في وسط القاهرة. والتقى السيسي أمس وفداً من سفراء الدول الأفريقية في القاهرة ولامهم على «عدم إبلاغ دولهم بحقيقة الأحداث التي شهدتها مصر، ما أسفر عن تعليق عضويتها في الاتحاد الإفريقي»، وفق حملته. وأسهب في الحديث عن محاولات تجنب عزل مرسي و «أخطار التطرف الديني»، متعهداً «النضال» من أجل «إعادة رسم الخطاب الديني». والتقى صباحي وفدين من سفراء دول أوروبية وآسيوية في القاهرة، وتعهد «عدم إقصاء التيار الإسلامي»، لكنه حرص على توضيح الفرق بين التيار الإسلامي وجماعة «الإخوان المسلمين». وقال: «لا وجود لأحزاب على أساس ديني ولا وجود لجماعة الإخوان المسلمين، حزباً أو جماعة في الفترة المقبلة». ونقلت حملة السيسي عنه القول لوفد ضم سفراء 41 دولة: «هناك عتاب واضح لكم، خصوصاً أنكم على اتصال مباشر بدولكم وردود أفعالكم مرتبطة بما ترونه وتسمعونه، وأعتقد بأن الموقف المصري خلال ثورة 30 يونيو كان واضحاً، إذ انحاز الجيش إلى إرادة المواطنين من دون أن يسعى إلى الحصول على السلطة، فالشعب المصري تربطه دائماً علاقة خاصة جداً مع الجيش». وأضاف أن «القوات المسلحة مؤسسة منضبطة ومحترفة، ولم تتدخل في الشأن السياسي خلال الفترة الماضية، ولكنها كانت تدرك تطورات الأوضاع جيداً وقدمت الكثير من التقارير لتقدير الموقف في مصر ومعالجة الخلاف السياسي، إلا أن جماعة الإخوان لم تعترف أبداً بفشلها في إدارة الدولة وحوّلت الخلاف مع معارضيها إلى خلاف ديني وحرب مقدسة ضد الإسلام». وأوضح أن «الشعب المصري ينظر دائماً إلى القوات المسلحة على أنها المنقذ والمخلص من أي مشكلة، خصوصاً بعد تجربة ثورة 25 يناير. المؤسسة العسكرية فى مصر لا تناصر أحداً ضد أحد، ولكنها تحافظ على كيان الدولة المصرية وتنحاز إلى إرادة الشعب الذي يمنح الشرعية». وأشار إلى أن «القوات المسلحة كانت مخلصة فى تقديم النصح للنظام السابق وطرح الحلول التي يمكن من خلالها تهدئة الأوضاع، وكانت تتعامل مع هذا الأمر بشرف وأمانة من أجل مصلحة الوطن، من دون أن تحاول السطو على السلطة أو إسقاط النظام». ودعا سفراء الدول الإفريقية إلى «ضرورة النظر إلى خريطة العنف والإرهاب في منطقة الشرق الأوسط بأكلمها، وما يمكن أن يحدث في تلك المنطقة جراء تطور نفوذ الجماعات الإرهابية والعناصر المتطرفة في ظل ضعف العديد من تلك الدول وارتباطها بصراعات داخلية وتحديات أمنية غير مسبوقة». ورأى أن «الخطاب الديني في الفترة الماضية لم يكن على المستوى المطلوب وانقطع عن الواقع الذي نعيشه لفترة قد تصل إلى خمسة أو ستة قرون كاملة»، مؤكداً أن «تطوير هذا الخطاب مسؤولية كبيرة يجب انجازها خلال الفترة المقبلة من خلال مؤسسات الدولة المعنية، وسأناضل في إعادة رسم الخطاب الديني لتحسين الصورة السيئة التي يقدمها من يظنون أنهم يحاولون الدفاع عن الإسلام». وأكد أن «السياسة الخارجية تجاه الدول الإفريقية خلال الفترة المقبلة ستكون منفتحة جداً، خصوصاً أن مصر تمد يدها إلى الأشقاء والأصدقاء، وتعتمد فى علاقاتها على التعاون والتآخي من دون التدخل في شؤون أحد أو تدخل أحد في شؤون مصر». وأوضح أن «مصر ستقيم حواراً جاداً مع الأشقاء في إثيوبيا لإيجاد حلول عملية لقضية سد النهضة»، مؤكداً «ضرورة إقامة حوار جاد ومخلص مع الإثيوبيين يتفهم مصالحنا ومصالحهم في هذه القضية». وقال: «هم يعرفون جيداً أن مياه النيل تمر عبر أراضيهم لمصر، وهي المصدر الرئيس للمياه في مصر، ولن يفكروا أبداً فى القضاء على حياة 90 مليون مصري». وأشار إلى أن «التعاون بين الدول الإفريقية يجب أن يترجم إلى خطط واستراتيجيات واضحة حتى نحقق رخاء حقيقياً لشعوبنا، ويجب أن نساعد غيرنا ونوجد علاقة مبنية على الحب والتقدير والاحترام وليس على الخوف والصدام». في المقابل، نقلت حملة صباحي عنه القول لسفراء أوروبيين وآسيويين التقاهم إن «هناك حرباً مقدسة تخوضها مصر ضد الفقر، ولا انتصار فيها من دون محاربة الفساد». وأوضح أنه لن يقترب من دعم المواد الغذائية، لكنه سيعيد هيكلة دعم الطاقة. وأكد صباحي أن «هناك حال استقطاب حاد في المجتمع المصري، ولابد من أن يبحث أي رئيس ونظام جديد عن لمّ الشمل للخروج منها». وأضاف: «أطرح نفسي كمرشح مدني من معسكر الثورة ولدي رهان على فئات عمرية هي جيل الشباب الذي يشعر بغصة حقيقية... هناك جزء كبير منهم قلق مما يحدث بعد 30 يونيو، لأن بعض من شاركوا فيها يقبعون الآن في السجون». واعتبر أن قانون التظاهر مخالف للدستور، متعهداً تعديله «والأخذ برؤية المجتمع المدني والمجلس القومي لحقوق الإنسان فيه، وإطلاق سراح كل سجناء الرأي». وعن التعامل مع التيار الإسلامي، قال صباحي للسفراء الأوروبيين: «أريد أن أفرّق بين جماعة الإخوان والتيار الإسلامي. التيار الإسلامي في مصر أوسع من الإخوان بكثير... لا وجود لأحزاب على أساس ديني ولا وجود لجماعة الإخوان المسلمين حزباً أو جماعة خلال السنوات المقبلة». لكنه أكد أن «التيار الإسلامي لن يتعرض للإقصاء. هذا التيار تعرض لانتكاسة نتيجة مواقف الإخوان الذين فشلوا في الحكم وأخطأوا في المعارضة واستكبروا على اردة الشعب واتجهوا إلى طريق العنف والإرهاب». وشدد على «ضرورة التفريق في المرحلة المقبلة بين الإرهاب وأعمال العنف من ناحية والتعبير السلمي عن الرأي من ناحية أخرى». وعن الفروق بين الانتخابات الرئاسية الماضية والانتخابات المرتقبة، قال: «لم يكن فى الانتخابات الماضية مرشح للدولة، ولم يكن يستطيع أحد أن يقول إن الدولة المصرية بكل ما لديها من تأثير تميل إلى أحد المرشحين». ورأى أنه «لن تحدث فوضى في مصر، إلا إذا استمرت السياسات القديمة التي ثار عليها الشعب مرتين، وفي هذه الحال لن تحدث فوضى، وإنما ستحدث موجة ثورية جديدة ربما ستكون أعنف». وأكد أنه سيحارب الإرهاب «بخطاب ديني جديد من الأزهر والكنيسة». وكانت حملة صباحي نفت ما نُسب إليه عن أنه يوافق على أن يكون رئيساً للوزراء إذا لم يفز في الانتخابات الرئاسية. وقالت في بيان إن صباحي «لن يتولى منصباً بالتعيين، وهو وإن كان واثقاً من نصر الله ودعم الشعب في الفوز بالرئاسة، إلا أنه إذا لم يفز فسيكون في صفوف المعارضة». وعلى صعيد الاستعدادات اللوجستية لإجراء الاقتراع، قال الناطق باسم الجيش العقيد أحمد علي في بيان إن «القوات المسلحة تشارك في عملية تأمين الاقتراع ب 181 ألفاً و912 ضابطاً وصف ضابط وجندياً، بالتنسيق مع أجهزة وزارة الداخلية واللجنة العليا للانتخابات وأجهزة الدولة المعنية كافة». وأوضح أن «القيادة العامة للقوات المسلحة أكدت لجميع القوات أن مهمتها حماية المواطنين والتصدي للتهديدات المحتملة كافة خلال تأمين اللجان والمراكز الانتخابية». إلى ذلك، قال الناطق باسم وزراة العدل عبدالعظيم العشري إن الوزارة انتهت من توزيع القضاة على مقار اللجان التي سيشرفون عليها بعد أن وفرت القوات المسلحة طائرات عسكرية لنقل بعضهم إلى أماكن نائية. وتبدأ بعثة الاتحاد الأوروبي لمتابعة الانتخابات الانتشار في مختلف المحافظات اليوم. وأوضح الناطق باسم وزارة الخارجية المصرية بدر عبدالعاطي أن «البعثة تتكون من 150 متابعاً، ونحن حريصون على التعاون الكامل معها». وتعهد أن «تكون هناك حرية حركة من دون أي قيود لكل المنظمات التي ستشارك في متابعة الانتخابات». وأوضح أن «الاتحاد الإفريقي سيتابع الانتخابات ب 60 عضواً، ومنظمة كوميسا أرسلت 7 أعضاء ومنظمة الساحل والصحراء 14 عضواً ومنظمة الفرنكفونية 6 متابعين».