خلت نتائج الدورة الثانية من الانتخابات الإقليمية التي أُجريت الأحد في فرنسا، من أي نبأ مفرح لحزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» اليميني الحاكم. وأكدت هذه النتائج ما كانت أوحت به نتائج الدورة الأولى قبل أسبوع، من رفض شعبي لأداء اليمين ووعوده واستراتيجيته، وذلك قبل سنة تقريباً من انتخابات الرئاسة التي ينوي الرئيس نيكولا ساركوزي خوضها، أملاً بالفوز بولاية ثانية. واحتل الحزب الاشتراكي المعارض الصدارة في الاقتراع، بحصوله على 35.75 في المئة من الأصوات، فيما حصل اليمين الحاكم على 20.24 في المئة وحلّ في المرتبة الثانية. وكرّس حزب «الجبهة الوطنية» (اليمين المتطرف) بزعامة مارين لوبن، موقعه في المرتبة الثالثة على خريطة القوى السياسية، بحصوله على 11.73 في المئة من الأصوات، فيما توزعت الأصوات المتبقية على أحزاب صغيرة يمينية ويسارية. وأثارت النتائج ارتياح الأمينة العامة للحزب الاشتراكي مارتين أوبري التي اعتبرت أن «الفرنسيين فتحوا طريق التغيير التي سنسلكها»، مظهرين إمكان «الايمان بفرنسا أخرى». كما أعلنت أن حزبها سيعرض في الخامس من نيسان (أبريل) المقبل، مشروعه السياسي تمهيداً لانتخابات الرئاسة العام 2012. ونجحت لوبن، بعد شهور فقط على خلافتها والدها في زعامة الحزب، في كسر طوق العزلة المفروضة على «الجبهة الوطنية» وتحويلها في رأي حوالى 52 في المئة من الناخبين، حزباً على غرار الأحزاب الأخرى، وفقاً لاستطلاعات الرأي. وتحدثت عن «تقدّم مدهش» وضربة «رهيبة للرئيس»، قائلة: «سترون كيف ستحلّ الجبهة الوطنية في المواقع الأولى خلال الانتخابات المقبلة، الرئاسية والاشتراعية. إعادة ترتيب الساحة السياسية في فرنسا بدأت». واكتفى مسؤولو حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية»، وفي مقدمهم رئيسه فرانسوا كوبيه، بوصف هذه النتائج بأنها «مخيبة»، رافضين اعتبارها هزيمة وحكماً بالفشل على النهج الذي يعتمده ساركوزي وفريقه. وما يتيح للحزب الحاكم تجنّب الإقرار بالهزيمة، أن الحزب الاشتراكي حلّ في المرتبة الأولى، لكنه لم يتمكن من تحقيق المدّ الذي توقّعه له بعضهم في انتخابات الأقاليم. واعتبر رئيس الوزراء فرانسوا فيون أن «اليسار يتقدّم، لكن تراجع غالبية (اليمين) أقلّ من المُتوقّع»، محذراً من أن الأرقام التي تحققها «الجبهة الوطنية» «تظهر ضرورة الامتناع عن الاستهانة أو الاستخفاف بالتصويت الاحتجاجي. تجب محاربة هذا الحزب، وتقويم أسباب تأييده والتعامل معه، في شكل نيّر». وسيعقب هذه الانتخابات فتح باب التنافس على مصراعيه بين الشخصيات الاشتراكية الطامحة الى الفوز بترشيح الحزب لانتخابات الرئاسة، وهذا ما يراهن عليه اليمين لتشويش صورة الاشتراكيين لدى الناخبين. أما بالنسبة الى اليمين المتطرف، فما يطمئن نسبياً اليمين الحاكم أن شعبيته شهدت مقداراً من التقدّم، لكنه ما زال غير قادر على ترجمة ذلك الى مقاعد، اذ لم يحصل في انتخابات الأقاليم، سوى على مقعدين في جنوب شرقي البلاد. كما يعتبر اليمين الحاكم أن نسبة المقاطعة القياسية للانتخابات، والتي بلغت 55 في المئة من الناخبين، تشكّل رسالة الى الطبقة السياسية التي عليها بذل جهد إضافي لاستعادة التناغم بينها وبين الفرنسيين. نتائج انتخابات الأقاليم، والتي اقترنت مع استطلاع للرأي أفاد بأن ساركوزي سيخرج من التنافس منذ الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة، تحمل على التشكيك في جدوى استراتيجية تقضي بالتركيز على المسائل المتعلقة بالهجرة والأمن والإسلام، اذ أنها لعبت لمصلحة اليمين المتطرف وجعلت الناخبين يقبلون على التصويت لمصلحة مرشحيه، بعيداً من الريبة التي كان يثيرها سابقاً اقتراع مشابه. وقد يكون بعضهم في صفوف اليمين الحاكم، أدرك ذلك، في ضوء تصريح الناطق باسم الحكومة الوزير فرانسوا باروان الذي طالب بالعدول عن النقاش في شأن العلمانية، ومكانة الإسلام في فرنسا، والامتناع عن مجرد ترقب تزايد شعبية اليمين المتطرف.