وضعت نتائج الدورة الأولى من انتخابات الكانتونات في عدد من المناطق الفرنسية الأحد، والتي أظهرت اختراقاً واضحاً حققته الجبهة الوطنية الفرنسية (اليمين المتطرف)، الطبقة السياسية بكاملها أمام خيار صعب بالنسبة إلى الدورة الثانية الأحد المقبل. وأسفرت نتائج الدورة الأولى عن ترسيخ مواقع الحزب الاشتراكي (المعارض) الذي أحرز 25.1 في المئة من الأصوات، في مقابل 17.1 في المئة لحزب الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» (اليمين الحاكم) و15.2 في المئة للجبهة، واحتلت بذلك المرتبة الثالثة بين القوى السياسية الفرنسية. وفي ضوء هذه النتائج فإن الجبهة الوطنية ستنافس في الدورة الثانية، الحزب الاشتراكي في 204 كانتونات و «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» في 89 كانتوناً والحزب الشيوعي الفرنسي في 37 كانتوناً. هذا الانتعاش الواضح لشعبية اليمين المتطرف الناجم عن التدهور الاجتماعي والاقتصادي وخيبة الفرنسيين حيال أداء الطبقة الحاكمة، إضافة إلى انتقال قيادة الجبهة الوطنية إلى مارين لوبن ابنة الزعيم التقليدي جان ماري لوبن التي أعادت تنشيط مواقع الجبهة، وضع الأحزاب الفرنسية أمام تساؤل حول كيفية التعامل مع مرشحي الجبهة في الدورة الثانية. وبادر الحزب الاشتراكي للإجابة عن هذا التساؤل، على لسان الناطق باسمه بونوا هامون، الذي دعا قواعد حزبه إلى الإدلاء بأصواتهم لمصلحة مرشحي اليمين في الكانتونات التي يواجه فيها مرشحي الجبهة الوطنية. وتعيد هذه الدعوة، التذكير بالموقف الذي كان اعتمده الاشتراكيون في انتخابات الرئاسة عام 2002 حين دعوا ناخبيهم للاقتراع للرئيس السابق جاك شيراك الذي نافسه في الدورة الثانية زعيم الجبهة الوطنية جان ماري لوبن. وفيما أجمعت القيادات الاشتراكية على هذه الدعوة فإن الأصوات المختلفة التي انطلقت في صفوف الحزب الحاكم انطوت على قدر كبير من الالتباس. وصرح الناطق باسم الحكومة الفرنسية فرانسوا باروان بأنه لا بد من قطع الطريق على مرشحي الجبهة الوطنية في الدورة الثانية، رافضاً دعوة ناخبي حزبه لتجيير أصواتهم إلى المرشحين الاشتراكيين حيث يقتضي ذلك. وقال انه ينبغي أن «تواجههم سياسياً» ولكن من دون تشكيل «جبهة جمهورية مع الاشتراكيين» لأن هذا ليس الرد الصحيح. ودعا رئيس حزب «الاتحاد من أجل الحركة الشعبية» جان فرانسوا كوبيه ترك الخيار لناخبي حزبه للإدلاء بأصواتهم لمن يريدون، في الكانتونات التي تشهد مواجهة بين مرشح يساري وآخر يميني متطرف. والمرجح أن يؤدي هذا الالتباس إلى نوع من الانقسام في صفوف ناخبي اليمين، لا يساعد الحزب الحاكم الذي يعد منذ الآن لانتخابات الرئاسة المقررة في ربيع العام المقبل. فانتخابات الكانتونات رغم نسبة المقاطعة البالغة التي اتسمت بها، وعدم الاكتراث الذي يواكبها اعتيادياً، تشكل هذه المرة برأي الكثيرين اختباراً مصغراً، تمهيداً لانتخابات الرئاسة المقبلة.