رسم الناخبون الفرنسيون عبر الدورة الثانية من الانتخابات الاشتراعية أمس، صورة جديدة لتوازن القوى السياسية في بلادهم مع انتقال الغالبية النيابية من حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية» اليميني وحلفائه إلى الحزب الاشتراكي وحلفائه، مؤكدين مجدداً الرغبة بالتغيير التي عبروا عنها في الانتخابات الرئاسية في أيار (مايو) الماضي، باختيارهم الرئيس الاشتراكي فرانسوا هولاند. وأدت هذه الانتخابات إلى سابقة في تاريخ اليسار الفرنسي الذي بات مسيطراً للمرة الأولى على البرلمان إلى جانب سيطرته على الرئاسة ومجلس الشيوخ وغالبية المجالس الإقليمية. ويعبر هذا الواقع السياسي المستجد في فرنسا عن نجاح الحزب الاشتراكي في لملمة صفوفه بعدما كان بدا خلال الانتخابات الأوروبية عام 2009 أشبه بجثة هامدة. كما يعبر عن حسن استغلال الحزب لحال الرفض والاستياء اللذين تراكما لدى الناخبين على امتداد عهد الرئيس السابق نيكولا ساركوزي الذي اقتصر على ولاية رئاسية واحدة مدتها خمس سنوات. ويمثل الأسبوع المقبل الذي من المرجح أن يشهد تغييراً حكومياً، بداية العمل الجدي بالنسبة إليه على صعيد التعامل مع مشكلات فرنسا وأيضا أوروبا، وسيكون موضع ترقب بالغ من قبل الفرنسيين الراغبين في التحقق من أن التغيير الذي أرادوه على الصعيد السياسي سيؤدي إلى تغيير مماثل على صعيد أوضاعهم المعيشية. وعلى رغم تمكن اليمين من الحد من حجم خسائره فإن الخريطة السياسية الجديدةلفرنسا تمثل ضربة بالغة القسوة تلقاها من الناخبين وسيكون من الصعب عليه محو آثارها، خصوصاً في ظل التصدع الذي برز في صفوفه غداة هزيمته في الانتخابات الرئاسية. والدعوات التي أطلقها مسؤولو حزب «الاتحاد» إلى الناخبين لعدم إعطاء الرئيس الاشتراكي غالبية نيابية تجعله حراً من أي كوابح في إدارة شؤون البلاد، لم تلق آذاناً صاغية خصوصاً في ظل التنافس بين الأمين العام للحزب جان فرانسوا كوبيه ورئيس الحكومة السابق فرانسوا فيون على الزعامة. كما أن التضارب الذي طغى على تعامل حزب الاتحاد مع الانتعاش المستجد لشعبية «الجبهة الوطنية الفرنسية» (اليمين المتطرف) منذ أن خلفت مارين لوبن والدها على رأس الجبهة، كشف عن تباين حاد داخل حزب «الاتحاد» بين المتمسكين برفض أي تقارب مع الجبهة وأولئك الذين باتوا يعتبرونها قوة سياسية تمثل شريحة من الفرنسيين لا ينبغي نبذها. ويجد حزب «الاتحاد» نفسه بالتالي أمام عملية مراجعة واسعة النطاق لأدائه ومواقفه وأمام عملية إعادة تجميع لصفوفه لاستعادة الفعالية التي يبدو الآن أنه فاقداً لها ومن شأنها أن تحد من قدرته على معارضة القرارات والتوجهات التي سيعتمدها الحكم الاشتراكي. وبعد أن كانت الأنظار في الدورة الأولى (الأحد الماضي) منصبة على دائرة بومون هنين التي شهدت تنافساً بين لوبن وزعيم «جبهة اليسار» جان لوك ميلانشون الذي قرر الانسحاب من الدورة الثانية نظراً إلى قلة الأصوات التي أحرزها، فان الأنظار انصبت في الدورة الثانية على دائرة شارانت ماريتيم حيث تنافست صديقة هولاند السابقة وأم أولاده سيغولين رويال مع مرشح يساري منشق هو أوليفيه فورلاني. ومرد هذا الاهتمام الفائق هو المفاجأة المدوية التي أقدمت عليها صديقة هولاند الحالية فاليري ترييرفيلير التي عبرت علناً عن دعمها لفورلاني، متجاوزة بذلك واجب التحفظ المروض عليها باعتبارها في موقع السيدة الفرنسية الأولى مما تسبب بإرباك بالغ للحزب الاشتراكي. وبدت رويال التي سبق أن خاضت الانتخابات الرئاسية السابقة قي مواجهة ساركوزي، متشنجة بعض الشيء لدى إدلاءها بصوتها في دائرتها حيث سبقها فورلاني إلى الاقتراع ببضع دقائق. وكان أول من أدلى بصوته من المسؤولين زعيم حزب الوسط فرانسوا بايرو الذي كان حل في المرتبة الثالثة في انتخابات الدورة الأولى ورفض الإدلاء بأي تصريح للصحافيين داعياً إياهم إلى الاكتفاء بصورته ثم غادر مقر الاقتراع بسيارته. وبلغت نسبة الإقبال على التصويت 21.41 في المئة عند منتصف النهار وهو ما يعبر عن تحسن طفيف مقارنة بالدورة الأولى حين بلغت هذه النسبة في الوقت نفسه 21.6 في المئة علماً بأن الدورة الأولى اتسمت بامتناع قياسي عن الاقتراع بلغت نسبته 43 في المئة نتيجة سأم الفرنسيين من الأجواء الانتخابية المخيمة على البلاد منذ أشهر عدة.