من بين أهم المؤشرات على التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية في أداء القطاع المصرفي في الإمارات، يبرز حجم المخصصات الكبيرة التي اقتُطعت من صافي أرباح المصارف الإماراتية لمواجهة الديون المتعثرة الممنوحة لمستثمرين، إذ ارتفعت قيمة هذه المخصصات في شكل قياسي إلى نحو 15.5 بليون درهم (4.2 بليون دولار)، ما يشكل 87.5 في المئة من صافي أرباح المصارف لعام 2010 والذي بلغ 17.7 بليون درهم. وللارتفاع القياسي في حجم المخصصات تأثيرات سلبية في سيولة المصارف ومواردها المالية، وكذلك في النمو في الإقراض الضروري لدعم النمو الاقتصادي، إضافة إلى تأثيراته السلبية في حقوق مساهمي المصارف وقيمتها الدفترية، إذ اعتادت المصارف على تحويل جزء مهم من أرباحها الصافية وغير الموزعة إلى احتياطاتها المختلفة لدعم حقوق مساهميها وملاءتها المالية. وأدى ارتفاع المخصصات أيضاً إلى اتباع معظم المصارف الإماراتية سياسة ائتمانية متحفظة جداً والمغالاة في الإجراءات الآيلة إلى الحفاظ على أموال المودعين والمساهمين، لذلك حقق حجم القروض نمواً متواضعاً جداً العام الماضي، فيما برزت تأثيرات سلبية أيضاً على توزيعات المصارف على مساهميها إذ تراجعت نسبة الأرباح الموزعة على المساهمين، خصوصاً الأرباح النقدية، بينما اضطر بعض المصارف إلى عدم توزيع أرباح على الإطلاق على المساهمين. ولوحظ أن مخصصات خمسة مصارف إماراتية كبيرة الحجم استحوذت على ما نسبته 73.6 في المئة من إجمالي المخصصات للمصارف الإماراتية وعددها 20 مصرفاً. ولا شك في أن تطورات مثل التراجع الكبير في أداء القطاع العقاري في الإمارات للسنة الثالثة على التوالي، وتباطؤ أداء بعض القطاعات الاقتصادية الأخرى في الدولة، إضافة إلى تخصيص احتياطات للقروض المتعثرة، خصوصاً تلك الممنوحة لمجموعتي «سعد» و «القصيبي» السعوديتين المتعثرتين، وتخصيص احتياطات من قبل بعض المصارف الإماراتية المنكشفة على ديون «دبي العالمية» بعد إعادة الأخيرة هيكلة ديونها، ساهمت في ارتفاع حجم المخصصات في السنتين الماضيتين. ويُشار إلى تجاوز المخصصات قيمة الأرباح العام الماضي في بعض المصارف الإماراتية الكبيرة، وفي مقدمها «بنك أبو ظبي التجاري» الذي بلغت قيمة مخصصاته 3.28 بليون درهم، بينما بلغت قيمة أرباحه الصافية 391 مليوناً، وكذلك «بنك المشرق» الذي بلغت قيمة مخصصاته 1.76 بليون درهم وصافي أرباحه 836 مليوناً، فيما بلغت مخصصات «بنك الإمارات - دبي الوطني» 3.54 بليون درهم وصافي أرباحه 2.3 بليون درهم. وأدى ارتفاع قيمة مخصصات هذه المصارف وانخفاض ربحيتها إلى خفض تصنيفها الائتماني، ما رفع كلفة الأموال المقرضة. ويمكن لقرار المصرف المركزي الإماراتي استقطاع مخصصات عامة وبنسبة 1.5 في المئة من إجمالي الأصول الائتمانية المرجحة الأخطار، اعتباراً من هذه السنة، إضافة إلى استمرار تراجع أداء القطاع العقاري وتباطؤ سوق الأسهم وتباطؤ أداء بعض القطاعات الاقتصادية، أن تؤدي إلى وضع مخصصات هذه السنة توازي مخصصات العام الماضي في ظل سيطرة حال من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في المنطقة وارتفاع مستوى الحذر والترقب في صفوف شرائح المستثمرين كلها، إضافة إلى توقعات باستمرار تباطؤ المصارف في منح القروض، إذ تشكل إيرادات المصارف من فوائد القروض حصة الأسد من إجمالي إيراداتها. * مستشار الأوراق المالية في «بنك أبو ظبي الوطني»