اختار كثير من السعوديين الذين حالت الظروف السياسية التي تحيط بالقاهرة منذ أسابيع عدة دون قضاء إجازتهم فيها، أن يعايشوا روح مصر وأجوائها من خلال المقاهي المصرية في جدة. يعتاد مسفر الغامدي أحد هذه المقاهي، معتبراً جلوسه فيها تعويض نسبي عن رحلته الملغاة إلى القاهرة، يقول : «أيام قليلة كانت تفصلني مع أصدقائي عن السفر إلى القاهرة، كنا نمني النفس بأن نقضي وقتاً ممتعاً في هذه الرحلة، وكان من المقرر أن نسافر في 27 من يناير الماضي، إلا أن الأحداث المصرية سبقت موعد رحلتنا بيومين». مسفر يجد أن المقهى المصري يعيد له شريط ذكريات أسفاره الكثيرة إلى «أم الدنيا»، فهو مغرم بأجواء حاراتها الشعبية، التي تحوي مقاهٍ ومطاعم ترسم خطواتها للقلب ببساطتها، وكثير من الأمور التي يصر أنها لن تفارق ذاكرته. ويقاطعه راشد الغانم الذي يشاطره الجلوس في مقعد مجاور بالمقهى، إذ يقول «إن من يسافر إلى مصر ويرتاد مقاهيها الشعبية وعلاماتها السياحية المعروفة، يجد نفسه مدمناً السفر إليها». ويبدي الغانم أسفه للأوضاع في مصر التي لم تعد مستقرة، راجياً أن تعود إلى الاستقرار، كونها الوجهة الأولى للكثير من السياح، ليس في الخليج أو العالم العربي فحسب بل لأقطاب المعمورة كافة. ويجد المصريون في هذه المقاهي رمزية شديدة تربطهم ببلدهم الأم، فهي كانت نقطة التقائهم خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة التي تشهدها «أم الدنيا»، إذ يجدون فيها مكاناً ملائماً لمناقشة همومهم كمصريين يعيشون في بلد الاغتراب. وتعد قائمة الطلبات في هذه المقاهي مطابقة لمثيلاتها في بلدهم، إذ يحتسون فيها المشروبات الشعبية كشاي «الكشري»، واليانسون والقرفة والسحلب وبعض الوجبات كسمك البلطي، وحول الطاولات يتحلق المصريون، ليلعبوا «الكوتشينة» و«الدومنة»، فيما يتناول قسم آخر منهم الشيشة والمعسل بأنواعها المختلفة، على أنغام «أم كلثوم» وفناني الزمن الجميل. ويشير أحد العاملين بمقهى المصريين في حي بني مالك عبدالله الفيومي أنهم يسعون على الدوام لتوفير الأجواء المماثلة في هذه المقاهي لمثيلاتها في مصر. ويضيف الفيومي الذي عمل في مقاهي القاهرة الشعبية قبل عمله في نظيرتها في السعودية، «إلى وقت قريب لم تكن توجد بمقاهي القاهرة الشعبية وسائل إعلام حديثة عدا مسجل يتم وضع أحد أشرطة «كوكب الشرق» أم كلثوم أو «العندليب» عبدالحليم». ويستدرك: «الوضع اختلف إذ إن مقاهي المصريين في السعودية تأثرت بدخول التلفاز إليها»، مشيراً إلى أن القنوات التي يتم بثها لرواد المقهى لا تعدو كونها إحدى القنوات المصرية. ويلفت إلى أن مقاهي المصريين في جدة شهدت إقبالاً كبيراً خصوصاً بعد الأحداث الأخيرة، مبرراً ذلك أن السعوديين يشعرون بأنهم في القاهرة، بينما يجمع المصريين فيها حبهم لوطنهم وتوحد مشاعرهم نحوه. ويرى الدكتور محمد خشبة أن تلك المقاهي لها رونقها الخاص، إضافة إلى كون تلك المقاهي تجمع بين جنباتها فئات العاملين كافة في السعودية، ما يعزز فرص معاونتهم لبعضهم البعض والتشارك في همومهم اليومية على طاولاتها.