تختزل المقاهي الذاكرة الشعبية لكل بلد، ويبدو أن تنوع الجاليات في السعودية أدى إلى اندماجٍ ثقافي وحضاري قل نظيره، فاختلط ابن البلد مع غيره من أبناء الجاليات. وفي جدة تجمع المقاهي الشعبية أخيراً مثقفين وإعلاميين باتوا يقصدونها كوجهة تجمع شتات حواراتهم عن همومهم الثقافية، والمثير في ذلك أن كثيراً من الشبان الذين لا يحملون ذات الميول، انجذبوا إلى هذه اللقاءات، وسجلوا حضوراً قوياً بجانب المثقفين في مناقشة مواضيع الساحة محلياً وخارجياً. ويبدو أن المقهى المصري هو الوجهة الأكثر إقبالاً لأبناء «أم الدنيا» في بلد الاغتراب، إضافة إلى السعوديين الذين تعذر سفرهم إلى القاهرة بسبب الظروف السياسية التي تعيشها «المحروسة»، باتت مقاهي المصريين بمثابة تعويضٍ نسبي لهم، تذكرهم بمثيلاتها في مصر. ولم تنل الحداثة من المقاهي السودانية في جدة شيئاً، إذ لا تزال متمسكة بكونها شعبية ذات طراز بسيط، والأكثر قرباً لهذا الواقع أنك لا تسمع إلا المصطلحات والعبارات السودانية. وفيما ينشغل اللبنانيون في بلادهم بالحديث عن السياسة، يثيرون ذات الأحاديث في مقاهٍ أسسوها في جدة، عن الأحزاب السياسية، وأخبار تشكيل الحكومة، وتسمية الوزراء.