ليست لي مشكلة مع الجمهورية الإسلامية في إيران أو مع الشعب الإيراني، ولكن عندي مشكلة كبيرة مع سياسة محمود أحمدي نجاد، ومع العرب من أنصار النظام الإيراني الذين أراهم طابوراً خامساً. كنا في «الحياة» أقمنا علاقة مباشرة مع الحكومة الإيرانية منذ عودة هذه الجريدة الى الصدور، وأرسلنا مراسلاً ليقيم في طهران ويزودنا بالأخبار الإيرانية يومياً. ووجدنا ان محمد خاتمي مفكر عالي القدرة، فاستكتبناه في «الحياة»، ونشرنا مقالاته عن العلاقات الإقليمية والدولية ومستقبل المنطقة، وأصبح خاتمي رئيساً وزادت أهميته، وأعدنا نشر مقالاته ليعرف الناس كيف يفكر الرئيس الإيراني. محمود أحمدي نجاد خَلَفَ خاتمي في الرئاسة، ورأيته بعد ذلك في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة حيث ألقى خطاباً يتفق مع أفكاري السياسية لتحرير القدس، وبما أنني أحضر دورة الجمعية العامة كلَّ سنةٍ كعضو وفد، لا كصحافي، وأجلس في مقاعد الوفود العربية، فقد ذهبت إليه بعد الخطاب، وهو واقف بجانب مقاعد إيران القريبة من مقاعد لبنان، بسبب الأبجدية، وهنأته على خطابه، وقلت له إنه أفضل من خطابات عربية كثيرة سمعتها. كل المسؤولين الإيرانيين الذين أعرفهم، من وزراء وسفراء وغيرهم، يجيدون العربية بحكم دراستهم الدينية، غير أن أحمدي نجاد احتاج الى من يترجم له ما قلت بالعربية والإنكليزية. وطلبت من مرافقيه أن يسألوه في أي آية وأي سورة يُمنع على المسلمين امتلاك سلاح نووي، فقد قال ذلك في خطابه، وهم ترجموا، وسألهم وتحدث معهم، ثم التفت إليّ باسماً وصافحني وهو يقول: شكراً، شكراً. بكلام آخر، علاقة «الحياة» مع إيران كانت دائماً طيبة، وقد أيدت شخصياً إيران في امتلاك سلاح نووي، وهو أهم موضوع في مواجهتها مع الغرب، ولا أزال أؤيدها، ثم جاء أحمدي نجاد، ووجدت تدريجاً أنه أهوج وغوغائي، وقد أثار قلق الجيران ودول العالم. وأعرف مِن صانعي القرار العرب مباشرة أنه هدد دولتين في الخليج، وهو وفّر لإسرائيل ذخيرة ضده بالإصرار على نفي المحرقة، كأنه هو المتهم بالجريمة لا الغرب المسيحي عدوه. أخلص من كل ما سبق الى مقال لي نشر في الثالث من هذا الشهر قلت فيه ان مشكلة الشيعة العرب هي مع إيران لا الدول العربية «لأن الشيعة العرب محاطون بشكوك الولاء لإيران حتى وهم ليسوا كذلك»، أي أنني نفيت التهمة عنهم. ووجدت بسرعة أن أنصار أحمدي نجاد مثله، فقد تلقيت بضع عشرة رسالة تتهمني بالوقوف ضد الشيعة العرب. حتماً لم أقف ضدهم، فقد كانت آخر كلمات في الفقرة هي «وهم ليسوا كذلك» أي أنني نفيت عنهم التهمة، وعندما رددت على جميع الرسائل لم أتلقَّ اعتذاراً أو اعترافاً بالخطأ إلاّ من قارئ واحد فقط. ثم قرأت رسائل أخرى بالمعنى نفسه في بريد «الحياة»، ولا أجد الخطأ فيها غير مقصود. أسوأ تبادل كان مع شيعي كويتي، لي معه مراسلات سابقة، بعث إليّ برسالة بالإنكليزية لغتها سقيمة ملأى أخطاء حتى لا تكاد تُفهم لولا أنني أعرف توجهه، وهو قال إن ليس من حقي أن أتكلم عن تاريخ ألف سنة لدول الخليج مع إيران. قلت له إنه أحمق ونصحته بأن يتعلم الإنكليزية، وردّ عليّ بأن الرسالة من 20 باحثاً زعم انهم 12 سنّياً وخمسة من الشيعة وثلاثة مسيحيين (الكلمة التي اختارها للمسيحيين بالإنكليزية جعلتهم من القوقاز أو الشركس). ثم «أمرني» ألاّ أرسل إليه رسائل وقلت له انني رددت على رسائل بدأها هو ووجدتها حقيرة مثله. طبعاً هو يكذب، وقلت له انه مجرد ناشط شيعي وان لا وقت عندي للمتطرفين من أي طائفة، وردّ كأنه يهددني بأن جماعته تدرس كتابات 45 صحافياً أنا منهم وستنشر رأيها عبر الميديا الجديدة. وهو اتهمني في رسائل متتالية بأنني «وهابي»، مع أنني أرجح ان الوهابيين لا يريدون مثلي بينهم. عدت الى أوراقي ووجدت بينها جدلاً سابقاً لي مع الرجل نفسه أو الجماعة المزعومة، فقد كنت أكتب عن دورة الجمعية العامة قرب نهاية أيلول (سبتمبر) من السنة الماضية، وتلقيت رسالة تقول ان الإخوان «صُدموا» بما كتبت لأن أفضل خطاب ألقي في الجمعية العامة كان خطاب أحمدي نجاد. ومرة أخرى أنا «وهابي» وهم ليسوا شيعة فقط. وأحمدي نجاد يحمل دكتوراه، أراها في الحمق. والجدل انتقل الى حزب الله، الذي أؤيده ضد إسرائيل بالمطلق، فقد قلت في برنامج لتلفزيون «الجزيرة» انني كنت أفضّل لو أن حزب الله انتظر صدور القرار الظني ثم هاجم ما لا يعجبه فيه بدل أن يهاجم شيئاً غير موجود. هذا الرأي فُسِّر على أنه ضد حزب الله، مع انني أيدت المقاومة دائماً ولا أزال أفعل. الرسائل الإلكترونية كلها، تنتهي بتوقيع «مجموعة 20 قارئاً من الكويت» ولا أعرف هل هم واحد أم عشرة أم عشرون. ما أعرف هو أنهم طابور خامس ومتطرفون من نوع أحمدي نجاد أو أسوأ، وأفهم بعد ذلك لماذا يشعر أهل الخليج بالقلق ويحاولون حماية أنفسهم من عدو الداخل والخارج. [email protected]