تلقينا في «الحياة» رسالة من الاستاذ علي الحسيني تعلق على مقال لي عن العرب وإيران. وسأحاول أن أنصف صاحب الرسالة بنشر ما أستطيع منها، فهي أطول من المساحة المتاحة لهذه الزاوية كلها، قبل أن أرد عليه. هو يقول إنه يقرأ لي بانتظام ويتفق معي ويختلف، غير أن مقالي موضوع تعليقه صدمه بما ظهر من جهلي بإيران وقيادتها. قلت إن إيران بلد مفلس والأستاذ الحسيني يسأل من أين جئت بمعلوماتي، ويؤكد أن إيران، بلد السبعين مليوناً يتمتع بفائض مالي ويشهد نهضة علمية واقتصادية وعمرانية. ويزيد الأستاذ الحسيني أن إيران بخلاف دول الخليج الغنية بالنفط الفقيرة بعدد السكان لم تتضرر إلا بنسبة ضئيلة من الأزمة المالية التي تضرب العالم اليوم. ويضيف: أما قوله إن إيران بلد نفطي ولا بنزين فيه فالأمر ليس بهذا الشكل. نعم إن إيران تستورد جزءاً من حاجتها النفطية وذلك عائد في جزء منه الى طبيعة النفط الذي تنتجه آبارها، وفي جزء آخر الى الحصار الذي تفرضه عليها الدول الغربية... على أن بعض دول النفط العربية يستورد مادة المازوت والغاز وهي دول يحرق فيها الغاز الطبيعي الناتج عن استخراج النفط. وأيضاً: أما القول إن إيران يحكمها رجل أهوج فوقه حاكم فعلي يعيش في القرن الثاني الهجري فأراه قولاً غريباً لا يليق بصحافي مخضرم... الرجل المسن يتابع بدقة انجازات علماء شعبه الذين وصلوا الى الفضاء الخارجي وامتلكوا التكنولوجيا النووية، وأنتجوا اليورانيوم الصناعي وحققوا انجازات كبرى في العلوم الطبية بما في ذلك الخلايا الجذعية... وبعده: أما حديثه عن «الطبل الأجوف» فلن أرد عليه لأنه كلام أجوف بعيد من أدب الصحافة. ويقول: أما معزوفة الأطماع الفارسية فكلام ممجوج مردود ولا أخال الأستاذ جهاد يجهل أن الحصار الأميركي والغربي وأخيراً بعض العرب مرده موقفها الداعم للشعب الفلسطيني المظلوم من الأعداء والأشقاء على حد سواء. ولعل أسوأ ما في ذلك أن تقوم دولة عربية بحصار غزة... وكنت أتمنى لو أن الأستاذ جهاد استنكر على رئيس أكبر دولة عربية أن يحاصر غزة... ويكمل: وأقول إن من العجب العجاب أن يتحدث الأستاذ جهاد عن سكوت العرب على عنصرية الكيان الإسرائيلي ويستنكر على أحمدي نجاد نبش قرار الأممالمتحدة لعام 1975... أعتقد أنني أنصفت الأستاذ علي الحسيني بإعطائه نصف الزاوية لأرد عليه في نصفها الآخر. إذا بدأت من النهاية أقول إنني لم أستنكر أن يتحدث أحمدي نجاد عن عنصرية إسرائيل فقد أيَّدت موقفه في كل مرة طرحتُ الموضوع، وما كتبت موجود لا يمكن إنكاره. وما استنكرت هو سكوت العرب، فالمقال كله كان انتقاداً للعرب أكثر منه هجوماً على إيران. أنا كتبت كمواطن عربي، والأستاذ علي الحسيني رد عليّ كمواطن شيعي، فهو عضو المكتب السياسي لحركة أمل وأحد قادة «القيادة المؤمنة»، وبالتالي يأخذ جانب إيران في كل موضوع، وينسب إليها بطولات في الفضاء وعلى الأرض، ويخطّئ الدول العربية، سياسة ونفطاً ومواجهة مع إسرائيل، فكل ما تفعل إيران أفضل وأبعد أثراً، بل ينتقد مصر التي ضحت بأبنائها ويفضل إيران التي ضحت ب «الريموت كونترول». ثم إن أحمدي نجاد «طبل أجوف»، وصاحب الرسالة يقول إنه لن يرد على كلامي ثم يرد أنه «كلام أجوف بعيد من أدب الصحافة». لم أقل عن علي هاشمي رفسنجاني إنه طبل أجوف ولم أفعل عن محمد خاتمي. أما أحمدي نجاد فهو كثير الكلام يجلب العداوة لنفسه ولبلده، وقد نصّب نفسه محامياً للغرب المسيحي الذي قتل ستة ملايين يهودي ثم أرسل الناجين إلينا وابتلانا بهم. لماذا ينكر الرئيس الإيراني جريمة ليس متهماً بها؟ لو يسكت لأراح واستراح. ولعل الأستاذ الحسيني يقنع أهل الجزر الثلاث والبحرين بغياب أية أطماع إيرانية فيهم، فأنا لم أقتنع. أهم من كل الرسالة أنني أؤيد إيران في النقطة الأهم وهي امتلاك سلاح نووي. وإذا كان الأستاذ الحسيني يقرأ لي بانتظام كما يقول فهو لا بد قرأ ذلك عشرين مرة أو أكثر. والانتظام يعني أنه قرأ لي 40 مرة أو أكثر أنني أدافع بحماسة عن حماس وحزب الله وأقول إنهما حركتا تحرر وطني في وجه النازية الإسرائيلية. غير أنني افعل ذلك من منطلق وطني لا طائفي، وعندما شهر رجال حزب الله السلاح في رأس بيروت قبل سنة انتقدتهم وإذا عادوا أعود. كذلك انتقدت حماس بسبب المواجهة في غزة التي انتهت بخسارة 1400 فلسطيني، نصفهم على الأقل من النساء والأطفال، مقابل 20 إسرائيلياً فقط، أي نسبة 70 الى واحد، ثم عاد الوضع كما كان قبل القتال تماماً، ولكن من دون الشهداء. ولو وجدت سبباً لانتقاد حركة أمل لفعلت، إلا أن الرئيس نبيه بري أكثر حكمة من أن يعرّض نفسه للمؤاخذة. لم أسحب في حياتي شيئاً كتبته ولا أفعل اليوم، وليس الأمر عناداً بل حقي في إبداء رأيي، وانتمائي هو الى الأمة العربية لا لبلد أجنبي أو طائفة أو حزب. وقد كتبت وأنا أعرف سلفاً أنني لن أرضي أي متطرف، ولو زارنا الأستاذ الحسيني في لندن فسأعرض عليه رسائل تتهمني بتأييد «الشيطان» أو «العدو» الفارسي، فالرسائل كلها، مثل مقالاتي، محفوظة، وموقفي المسجل هو أنني مع الإمارات والبحرين ضد إيران، ومع إيران ضد الولاياتالمتحدة، ومع الولاياتالمتحدة ضد القاعدة. الأستاذ علي الحسيني مع إيران فقط.