لم يكن محمود أحمدي نجاد معروفاً قبل فوزه برئاسة إيران في عام (2005) حتى بين الإيرانيين إلا بتواضعه الشخصي وتشدده الديني. فظنَّ الكثيرون أن تشدده الديني يعود إلى نقص علمه بشؤون العالم خارج حدود إيران، وصغر سنه النسبي ونقص تجربته في تسيير دفة حكم إيران كلها. غير أن تصرفات الرئيس نجاد وأقواله، سرعان ما أثارت توجّس الناس، في داخل إيران وخارجها، بأنه قد يكون أسوأ بكثير مما بدا للناخبين قبل وخلال الانتخابات. ومع أنه يدفع مبالغ طائلة لأنصاره العرب خارج إيران، فإنه درج على تلفيق التهم للعرب الشيعة، من المواطنين الإيرانيين، ومنعهم من تعلّم اللغة العربية، واضطهدهم بكل وسائل الاضطهاد كما يضطهد كل حاكم مستبد مواطنيه. وليس سراً أن نجاد تجسس على الكويت وحوّل مظاهرات البحرين من مطالب بدأت مشروعة كالمطالبة بإسكان أفضل وتوفير فرص وظيفية أكثر إلى مطالب طائفية بحتة وسياسية لتغيير هوية البحرين وتاريخها مما جعل تحقيقها مستحيلاً. وعندما قدم «المحافظون المجددون» لنظام نجاد، العراق، على طبق من ذهب، سواء بقصد أو بغير قصد، صار نجاد صاحب الفيتو فيمن يقود العراق. وعلى الرغم من أن «القاعدة» تكفر المسلمين كافة خارج فسطاطها، بحسب تعبير قائدها السابق، وعلى رأس قائمة من تكفر أبناء الطائفة الشيعية؛ ومع أنها قتلت ولا تزال تقتل وبصفة شبه مستمرة العراقيين من كل الطوائف وبخاصة الشيعة العرب العراقيين، فقد آوى نظام نجاد قادة وأفراداً من القاعدة، وسهّل وصول من يتم تجنيدهم من المنتمين إليها إلى باكستان وأفغانستان. إذاً الموضوع أعمق وأشمل من مجرد تعاطف نجاد مع الطائفة الشيعية في العراق وفي غيرها. لقد كانت علاقة جمهورية إيران الإسلامية بالدول العربية عموماً وبدول مجلس التعاون خصوصاً جيدة جداً خلال رئاسة الرئيس رفسنجاني وخلال رئاسة الرئيس خاتمي. ولذلك فإنه من غير العدل لوم الشعب الإيراني كافة على تصرفات رئيس دولة أقرب إلى حاكم معتوه عدواني متهوّر لا يفكر كثيراً في عواقب تصرفاته منه إلى حاكم يقدر مسؤولية القيادة السياسية وثقل حملها. إن غالبية العرب وغالبية الإيرانيين، من أهل القبلة وجزء لا يتجزأ من مكونات الحضارة العربية الإسلامية التي لا تزال تضيء أمجادها صفحات تاريخنا. نعم، وكما قلت في مناسبات سابقة وكما قال غيري، إن ما يجمعنا بإيران أكثر بكثير مما يفرقنا، ولا يستطيع لا العرب ولا الإيرانيون لا تغيير المواقع الجغرافية ولا التاريخ المشترك. فالعرب والإيرانيون جزء من منطقة واحدة من أجزاء الكرة الأرضية. وكما في إيران ما يكفيها من سفهائها فلدينا ما يكفينا من سفهائنا. ولا ينبغي أن نعاقب كل الشعب الإيراني ولا كل أبناء الطائفة الشيعية على جرائم سفهائهم. وفي الوقت ذاته لا ينبغي لعامة الإيرانيين لومنا على تصرفات سفهائنا. وكما قال شاعرنا العظيم المتنبي: وجُرمٌ جرّه سفهاءُ قوم وحلّ بغير جارمه العذابُ وليس في مصلحة العرب ولا في مصلحة الإيرانيين أن يأخذ الخلاف السياسي متى وجد، سواء الآن أو في المستقبل، طابعاً طائفياً. إن إثارة النعرات الطائفية، وعلى مستوى العالم أجمع، دوماً، وخلال مئات السنين، مصدر من أهم مصادر النزاعات والحروب من دون أن تتمكن أي طائفة من إقناع بقية الطوائف بالتخلي عن معتقداتها. صحيح أن أشد المتشددين من الطائفة الشيعية في داخل إيران وفي خارجها قد يعتبرون الرئيس محمود أحمدي نجاد رئيساً شرعياً. ومع ذلك يبقى نجاد رجلاً متهماً بتزوير الانتخابات ويداه ما زالتا ملطختين بدماء الإيرانيين الذين احتجوا على تزوير الانتخابات. ومن شبه المؤكد أن غالبية أبناء طوائف الشيعة من إيرانيين وعرب وغيرهم في أقطار إسلامية أخرى أقرب إلى التعاطف مع القادة الإيرانيين وقادة الطوائف الشيعية العربية المعتدلين منهم إلى أمثال نجاد وأنصاره في العالم العربي وخارجه. ومحمود أحمدي نجاد ورموز أنصاره من العرب، في نهاية المطاف مؤقتون، أما الشعبان الإيراني والعربي فدائمان ومصالحهما المشتركة أزلية أبدية. والله من وراء القصد. * أكاديمي سعودي