-1- ما زلتُ أخاف الليل ويمنعني خوفي من أن تستمتعَ روحي بلذيذ النوم ومن أن تأخذني رائحةُ الحلم بعيداً عن هذا الكابوس الضارب خيمته الدكناء على صدر الإنسان وفوق فضاء الكون الصامت. -2- كنتُ صغيراً طفلاً في الأعوام الأولى حين رأيت الليل بعينيْ قلبي كان يلف الوديان ويطوي طرقات القرية، والناسُ كباراً وصغاراً كانوا يطوون مخاوفهم في جدران منازلهم وعلى عجلٍ يأوون سراعاً صوب مضاجعهم. -3- كانت أمي تبكي حين يجيء الليل ولا تخفي رعباً يتسلل من عينيها كانت تطوينا: أختي، وأخي، وأنا تحت غطاءٍ من صوف الماعز. ثم تمد ذراعيها نحو الله وتغسلنا بدموعٍ ساخنةٍ وفؤادٍ راجف. -4- كانت كل عصافير الحارة تسبقني تتوضأ بالنور الخافت ثم تصلّي عند حوافي نافذتي تتهجد خلف ظلال الأشجار فتوقظ في قلبي أسئلةً غافيةً. لا ساعةَ في كف العصفور فكيف تعلّمَ أن يصحو بعد رحيل الليل؟ -5- كنتُ إذا ذهبَ الليل وجاء الصبحُ يمد ملاءتَهُ البيضاءَ على القريةِ أخرجُ من دفء فراشي وأصلّي شكراً لله وأمسك أولَ خيطٍ من ضوء الشمس أداعبهُ وأقبّله وأنامْ. -6- يا ريحَ الليل ويا صوتَ الأيامِ الدكناء تمهلْ كي أدرك كيف يمرُّ العمرُ فلم يبق سوى قطراتٍ شاحبةٍ يذرفها الجسدُ الذاوي فوق حطامِ الزمن الأسود لكني ما زلتُ أخاف الليل وتكره عيني أن تلقاه وقد غيَّب تحت عباءتهِ كل الآماد. -7- أحلم، يحلم كل الناس بليلٍ أبيض شفافِ الأنجم يسرح فيه الإنسان وحيداً من غير دليلٍ أو عكّازٍ إلاَّ من رائحة الورد وموسيقى الحب فهل يأتي الليل الأبيض يخرج من رحم العتمة؟! -8- انكسرتْ أحلامٌ صغرى وانكسرتْ أحلامٌ كبرى انكسر القلب مراراً وتوارى الحبُ مراراً وتلّوث وجه العالم صار قبيحاً يشبه وجهَ الشيطان ووجهَ الليل ولكني ما زلت أضيء قناديل الأمل الحلو بأنفاسي وبأحلام عصافير الشمس. -9- أقسم بالروح البيضاء وماءِ الفجر وضوءِ مصابيح الله الحسنى أني أحببت الوردَ وأدمنت الموسيقى وعشقت الشعرَ الموزونَ وغيرَ الموزون بكيتُ على قدر الإنسان العاثر سامحتُ رجالاً كادوني بالسوء وباعوا أحلامي في السوق السوداء.