يلتزم الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة نجيب ميقاتي عادة سياسة الصمت المطبق في مشاوراته مع الكتل النيابية الرئيسة في شأن التفاهم على الإطار العام لحكومته من عدد الوزراء الى توزيع الحقائب. وهو اعتمد القاعدة نفسها بعد اجتماعه برئيس تكتل «التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون، وهو الأول في مخاض المفاوضات بينهما للتوصل الى قواسم مشتركة يفترض أن تؤدي الى خفض سقف مطالبه توزيراً وحقائب من ناحية، وإلى رفع «الفيتو» الذي وضعه على توزير أشخاص مقربين من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان من ناحية ثانية، خصوصاً أن ما يهم حلفاء الرئيس المكلف أن لا يأتي تمثيل المسيحيين محصوراً بالشخص الواحد أي العماد عون، لما يترتب عليه من رد فعل لن يكون لمصلحة صورة الحكومة العتيدة لدى إطلالتها على الرأي العام اللبناني. ولعل الرئيس ميقاتي يتّبع في مفاوضاته مع العماد عون سياسة النَفَس الطويل وهو يراهن، كما تقول مصادر سياسية مواكبة لمشاورات التأليف، على قدرته على إقناع عون بخفض سقف مطالبه مستفيداً من الهامش السياسي الذي يتركه له معظم حلفائه، ومن الدعم السوري للمجيء بحكومة مريحة يكون له اليد الطولى في تأليفها. وفي معلومات «الحياة» أن لقاء ميقاتي – عون الذي تخلله غداء عمل بدعوة من الأول وطبقه الأساس «كِما مع الرز»، بدأ بتبادل الآراء حول مهمات الحكومة ودورها وتركيبتها ومن ثم برغبة ميقاتي بالاستماع الى وجهة نظره ليكون على بينة من مطالبه في ضوء ما تردد من أنه يشترط إسناد حقائب الداخلية والعدل والطاقة والاتصالات الى وزراء من «تكتل التغيير» و «التيار الوطني الحر»، إضافة الى مطالبته بأن لا يعطى حلفاؤه حصة «فضفاضة» في الحكومة في إشارة الى زعيم «تيار المردة» سليمان فرنجية بعدما تردد أنه سيتمثل بوزير ماروني (يوسف سعادة أو روني عريجي) وآخر أرثوذكي من الكورة هو النائب السابق فايز غصن. وبحسب المعلومات، فإن ميقاتي الذي التقى ليل أمس رئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط في حضور وزير الأشغال العامة في حكومة تصريف الأعمال غازي العريضي، بعد أن اجتمع صباحاً بالنائب تمام سلام، لا يزال يراهن على قدرته على المجيء بحكومة مريحة وبالعدد الأكبر من الوزراء الذين لا يشكلون استفزازاً للفريق الآخر في الوقت الذي دخلت مفاوضاته مع رئيس حزب «الكتائب» الرئيس أمين الجميل في مرحلة حاسمة يفترض أن تتبلور نتائجها في الساعات المقبلة. وذكرت مصادر كتائبية ل «الحياة» أن الجميل ينتظر من ميقاتي أجوبة نهائية في خصوص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان والقرارات الدولية، وقالت إن خروج الكتائب من «14 آذار» غير وارد، وأن الجميل كما أعلن أمس، «يريد شراكة حقيقية وهو كان تمنى على حلفاء الرئيس المكلف تسهيل مهمته، خصوصاً الذين يبدو أنهم غير قابلين بالشراكة التي يدَّعونها وبالتالي تعمدوا وضع عراقيل وشروط لا تخدم مصلحة البلد». وأوضحت المصادر نفسها أن لا تبدل في موقف الكتائب، نافية أن يكون الحزب يناور في مشاوراته المفتوحة مع ميقاتي. وقالت إن الجميل «كان واضحاً» في قوله أمس: «إذا كانوا يعتقدون أن الأمر مناورة فليضعونا نحن والدكتور سمير جعجع أمام الأمر الواقع، وكنا تقدمنا بأسئلة واضحة ولتأتنا أجوبة واضحة وعندئذ يظهر إذا كان ذلك مناورة أو مقاربة حقيقية». الى ذلك، كشفت مصادر مواكبة لاتصالات التأليف أنه سيكون للحزب «التقدمي» حضور بارز وفاعل في الحكومة وأن تمثيله لن يقتصر على الدروز وإنما هناك إمكانية ليشمل النائب علاء الدين ترو عن السنّة، والنائب نعمة طعمة من الكاثوليك. وأكدت المصادر المواكبة ذاتها أن الأكثرية النيابية الجديدة بغالبية أطيافها وكتلها تراهن على الغطاء السياسي الجنبلاطي للحكومة «على رغم أن رئيس التقدمي لم يقرر الانحياز الى جانب سورية والمقاومة لرفع حصته في الوزارة وإنما ترجمة لقراره الذي أعلنه أمام الجمعية العمومية الاستثنائية للحزب في آب (أغسطس) 2009 بالخروج من قوى 14 آذار». وأوضحت المصادر نفسها أن ميقاتي «لا يزال يفضل الحكومة المتوسطة الحجم على الفضفاضة ويرغب في تشكيلة وزراء تكنوقراط مطعمة بسياسيين، وقد يضطر الى توسيعها في حال لم ينجح في كبح جماح شهية التوزير».