أقيم في كنيسة سيدة النجاة وسط بغداد قداس خاص، حضره عدد من رجال الدين المسيحيين من بغداد والموصل وكركوك ومدن أخرى، وأقيم اول من امس قداس آخر في الموصل للسبب ذاته. وشارك في الاحتفال بمرور 40 يوماً على المجزرة التي شهدتها الكنيسة وراح ضحيتها عشرات المسيحيين، عدد من السياسيين العراقيين تقدمهم زعيم «المجلس الإسلامي الأعلى» عمار الحكيم ونائب رئيس الجمهورية عادل عبد المهدي. وقال بطريرك السريان الكاثوليك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان الذي حضر من لبنان خصيصاً للمشاركة في الجناز «نريد ان تكون صلاتنا احتفالاً بعرس سماوي لأن دماء الشهداء ستطهر خطيئة العالم الكبرى». وتابع «كنا دائماً نبث فيكم الأمل ان الله لن يتخلى عن هذا الوطن الجريح وسيصبح ابناؤه في لحمة المحبة والمودة ولم يخطر ببالنا ان نأتي اليوم لكي نقاسمكم آلامكم بهذه الفاجعة المريعة التي حدثت بهذه الكنيسة الجريحة». وأضاف ان «المجزرة أودت بحياة كاهنين شابين وعشرات المؤمنين من اطفال وعرائس وأمهات وآباء كانوا يصلون لكي يعود هذا البلد الى سابق مجده (...) لا نستطيع ان نتجاهل حقيقة ان الأيدي المنفذة للجريمة وجهتها عقول مدربة اعمتها الكراهية.» وقال الأب اثير كوركيس ان اقامة الاحتفال التأبيني للضحايا يهدف الى «ايصال رسالة ان ايمان المرء بالرب وبالمصير اقوى من الإرهاب». وقال ل «الحياة» ان «العشرات من رجال الدين المسيحيين والأهالي من مختلف بقاع العراق حضروا تعبيراً عن تضامنهم مع ضحايا المجزرة التي تسببت في ضربة كبيرة لأبناء الديانة المسيحية في العراق ودفعتهم الى الشعور بالخوف والخطر». وكانت العشرات من العائلات المسيحية نزحت باتجاه اقليم كردستان وإلى خارج العراق بعد صدور تحذيرات من تنظيم «القاعدة» الذي تبنى عملية سيدة النجاة باعتبار المسيحيين اهدافاً له وأمهلهم إلى 20 كانون الأول ديسمبر (الجاري) لمغادرة البلاد. ودفع هذا البيان العشرات من العائلات الى النزوح والسكن في الكنائس في اقليم كردستان من بينها كنيسة مار يوسف في السليمانية التي يقطنها العشرات، على ما قال الأب لوقا بهنام الذي أكد ل «الحياة» ان «هذه العائلات تعيش اوضاعاً انسانية صعبة هناك، ولا تتمكن من دفع ايجار منازل صغيرة تقيم فيها فلجأت الى العيش في الكنيسة كحل موقت لأزمتها». وعن عائلات ضحايا حادثة «سيدة النجاة» قال ان غالبية الضحايا غادروا البلاد، فيما اشترك بعض منهم في القداس الخاص الذي حضرته مجموعة صغيرة من الذين نجوا من المجزرة على رغم شعورهم بالألم. وتجمع المصلون وغيرهم من المشاركين وسط اجراءات امنية مشددة وإغلاق الطرق المؤدية الى الكنيسة الواقعة في حي الكرادة في وسط بغداد. ورفع بعض الشبان امام مدخل الكنيسة لافتات تطالب ب «التوقف عن قتل المسيحيين» ومعرفة «نتائج التحقيقات». ووضعت صور القتلى امام المذبح في الكنيسة التي لا تزال جدرانها ونوافذها وسقفها وأبوابها تحمل آثار الرصاص والقنابل الناجمة عن الهجوم الأشرس الذي يتعرض له المسيحيون منذ سقوط النظام السابق عام 2003. كما تم تعليق ثوبي الكاهنين على اطراف المذبح. وقال الأب الدومينيكاني أمير جاجي ان «الأوضاع صعبة جداً لأن المسيحيين يعيشون أزمة عميقة». وأضاف رداً على سؤال: «لا نعتقد بأن الاطمئنان موجود فالاعتداءات ما زالت مستمرة». بدورها، قالت هنادي هيثم من جوقة الكنيسة انه «امر محزن للغاية». وأضافت الفتاة التي عملت مع الأب وسيم، احد الكاهنين اللذين قضيا في الاعتداء «افقتده كثيراً، لكنني اشعر بوجوده الى جانبي دائماً. كان يعتني بالجميع كباراً وصغاراً وبالمرضى أيضاً». وقال سالم ابلحد بطرس ( 46 سنة) عم الأب ثائر الذي قضى في الاعتداء ايضاً «ثائر اصبح قديساً اليوم، ووصلت شهادته الى العالم اجمع».وأضاف «سنبقى في العراق، لأننا ملتزمون بوطننا وبديننا». اما ندى وديع داود الموظفة في البرلمان، فقالت «اعتقد ان المسيحيين افاقوا من هول الصدمة اليوم، كانت جريمة ضدهم وضد جميع المسيحيين في العالم، مراسم الجنازة تجعلنا اقوى لأنها ستدفع كثيرين الى البقاء في العراق إخلاصاً للكنيسة.» ويتعرض المسيحيون العراقيون منذ اسابيع لأعمال عنف دامية تدفع بالعديد منهم الى مغادرة بلدهم، حيث يعيشون منذ بدء المسيحية قبل ألفي عام تقريباً.