تعتبر مونتريال بعد بوسطنالمدينة الثانية في الشمال الأميركي في احتضان الطلاب الأجانب، إذ تجتذب نحو 67 في المئة من الطلاب الجامعيين الوافدين إليها من مختلف المنابت الثقافية والعرقية لجودة برامجها التعليمية وتنوع اختصاصاتها العلمية والتكنولوجية وانخفاض كلفتها المالية ووفرة ما تقدمه من منح وقروض جامعية. ويشكل هؤلاء الطلاب مصدر غنى للإثراء والتعدد والتنوع الثقافي ورافعة كبيرة لتعزيز الأبحاث والتنمية الاقتصادية. لذا تسعى بعض المؤسسات الكيبكية إلى انتهاج استراتيجية بعيدة المدى لا تقتصر على جذب الطلاب الأجانب وحسب، وإنما على إبقائهم في كيبك تمهيداً لاندماجهم في مجتمعها وثقافتها وأسواق العمل فيها، بعد أن يكسروا حاجز اللغة الفرنسية، مواطنين كيبكيين. كيف يمكن جذب ودمج الطلاب الأجانب القادمين إلى كيبك؟ سؤال أجابت عنه ناديا جيللي المديرة العامة لمؤسسة «الواجهة الثقافية لمونتريال الكبرى- Vitrine Culturelle de Grande Montreal» وهي «منظمة غير ربحية أنشئت عام 1997 ومهمتها كما تقول «تحويل مونتريال إلى مدينة مفتوحة أمام كل طالب أجنبي». وعليه، يمنح الطالب «جواز سفر ثقافي» يخوله الاطلاع وزيارة المعالم التاريخية والثقافية والتعليمية والسياحية والترفيهية وغيرها. ويوزع حوالى عشرة آلاف نسخة منه على الطلاب والطالبات الجامعيين في مطلع شهر تشرين الأول (أكتوبر) من كل عام تحت اسم «جواز طالب أجنبي». وتساهم في تمويل هذه المبادرة حكومة كيبك ومؤسسات مالية واقتصادية وجامعات مونتريال الأربع الأنغلوفونية (ماغيل وكونكورديا) والفرانكوفونية (جامعة كيبك في مونتريال - أوكام) وجامعة مونتريال. وتقدم للطلاب الأجانب بطاقات ائتمان لاستخدامها في أنشطة مختلفة وبأكلاف مالية رمزية، وتخصص لهم موقعاً إلكترونياً للتعارف وتعزيز الروابط في ما بينهم والتواصل مع جامعاتهم وقنصليات بلدانهم وسفاراتها. وتزامناً مع الذكرى السنوية 370 لولادة مونتريال وتصنيفها «أفضل مدينة جامعية في العالم» من قبل «منظمة كواكرلي سيموندس» (شركة بريطانية متخصصة في مجال التعليم والدراسة في الخارج) ، قدمت «منظمة فيترين» في هاتين المناسبتين مشروعاً تحت عنوان «أنا أرى مونتريال» لأكثر من 300 طالبة وطالب أجنبي وعربي يدرسون في أربعة صروح جامعية هي الأكثر شهرة في مونتريال، وهؤلاء يشكلون جزءاً من 38 ألف طالب أجنبي. وخلال العاصفة الثلجية التي ضربت مونتريال أخيراً، قام هؤلاء الطلاب بمعية جيللي (المديرة العامة لمنظمة فيترين) بزيارة مدينة الثلج المكونة من أكواخ جليدية تشبه في هندستها مساكن الإسكيمو، إنما في قالب مدني حضاري وجمالي جعلها من أشهر المعالم السياحية الشتوية في كندا والعالم. فكل ما فيها مصنوع من الجليد والكتل الثلجية الصلبة. وتعرفوا خلال تجوالهم إلى قاعاتها وأروقتها الفسيحة وفنادقها الفخمة ومطاعمها الغنية بالمآكل والسوائل الساخنة والتي تطل عبر الواجهات الجليدية الشفافة على الرصيف القديم لميناء مونتريال ومعالمها التاريخية والسياحية والفنية. وللتخفيف من حدة الصقيع قدمت الكوميدية الكيبكية المغربية أنس حسونة على المسرج الجليدي عروضاً فكاهية من وحي منظومة التعدد والتنوع والاختلاط التي تنعم بها الحياة الجامعية في مونتريال. وبعد انتهاء العرض قالت حسونة «حاولت أن أجمع شمل الطلاب بمعنى ألا يبقى مثلاً المغربي والصيني والإيراني بعيدين عن بعضهم بعضاً، وأن يختلط الطلاب الفرانكوفون مع زملائهم الانغلوفون ويجلسوا جنباً إلى جنب». «فالضحك، على حد قولها، لغة عالمية توحد ولا تفرق وهي عابرة للحدود والأعراق والثقافات». في إطار هذه الأجواء الكوميدية قال علي (طالب إيراني في جامعة كونكورديا) «وجدت في زيارة أكواخ الجليد فرصة عظيمة للتقارب والتعارف إلى زملائنا الآخرين وإزالة التباينات الثقافية واللغوية والعرقية في ما بيننا»، مشيراً إلى أن عوائق الاختلاف والتفاهم والانسجام مع الطلاب الكيبكيين أمر طبيعي، إلا أنه موقت وسيزول تدريجياً. أما زميله ياسين التونسي في جامعة مونتريال فرأى أن «أول ما يدهش الطالب الأجنبي لدى وصوله إلى كيبك هو هذا التنوع الثقافي المتغلغل في نسيجها الاجتماعي والذي يستثمر بسهولة في سوق العمل»، لافتاً إلى أنه يعمل حالياً بدوام جزئي إلى جانب الدراسة في إحدى شركات الهاتف «بيل» لاكتساب التجربة الكندية والاختلاط بالكيبكيين والتعايش معهم بصورة أفضل». وكشف عن أنه و16 من زملائه العرب والأجانب سيبقون في مونتريال حتى انتهاء دراستهم الجامعية ودخولهم سوق العمل.