بخلاف ما يحدث عادة من ردود فعل عنفية وعنصرية، أحدث الاعتداء الإجرامي على مسجد كيبك وسقوط 6 مصلين وعدد من الجرحى رد فعل عكسياً تجلى لأول مرة في تضامن الرأي العام الكيبكي والكندي مع محنة المهاجرين العرب والمسلمين على مختلف المستويات الرسمية والشعبية. وتجسد هذا التضامن ليس بالدعوة الى التعايش والوئام والوحدة والاندماج بين جميع المكونات العرقية الثقافية وحسب، وإنما ايضاً برفض كل ما يمت بصلة الى العنف والكراهية والتمييز وإعادة النظر بسياسة الهجرة وأنظمة العمالة وتهميش المهاجرين وارتفاع معدلات البطالة في اوساطهم. في مثل هذه الظروف المأساوية كشف اخيراً في مقاطعة كيبك عن مشروع قانون يحمل الرقم 98 ويقضي باعتراف الحكومة، كسابقة تاريخية، بمؤهلات المهاجرين المهنية وكفاءاتهم العلمية وخبراتهم المكتسبة في بلدانهم. ويصبح هذا القانون «القاعدة الأساس لتنظبم المهن والكفاءات التي تحتاجها كيبك وتتناسب مع متطلبات سوق العمل» على حد تعبير رئيس الوزراء فيليب كويار. واعتبر كويار إنه «على كيبك من الآن وصاعداً ان تعالج امرين رئيسين متلازمين: الاعتراف بمؤهلات المهاجرين المهنية وضرورة اتقانهم اللغة الفرنسية» في شكل يتناسب مع حاجة كيبك الملحة لاستقبال حوالى 51 ألف مهاجر سنوياً وانخراط نحو 30 في المئة منهم في سوق العمل. وأكد كويار مبدأ تكافؤ فرص العمل بين المواطنين الكيبكيين والمهاجرين الذين وصلت حدة البطالة في اوساطهم الى معدلات قياسية تجاوزت خلال الأعوام الخمسة الماضية حدود 15 في المئة مقارنة بنسبة 9.8 في المئة لأقرانهم الكيبكيبين. وينطلق كويار من شعاره القائل «ينبغي على كيبك ألا تضيع اية فرصة عمل في حاجة اليها سواء كان المستفيد منها كيبكياً او مهاجراً». وفي هذا السياق كشفت وزيرة الهجرة كاتلين ويل عن ان نحو مليون ونصف مليون فرصة عمل جديدة سوف تدخل سوق العمل بحلول عام 2020 وسيكون نصيب المهاجرين منها اكثر من الخمس فضلاً عن توفير 250 ألف فرصة في نهاية عام 2016. وأكدت أن القانون الجديد يتعامل مع المهاجرين في شكل عادل ومتكافئ ومرن، بمعنى ان ينصرف 5 في المئة منهم فوراً الى سوق العمل وأن يحظى 15 في المئة بفرص عمل في شكل تلقائي اعتماداً على مؤهلاتهم الخاصة. وإذ يواجه 8 في المئة صعوبات تعود غالباً الى عدم اعتراف ارباب العمل بشهادات المهاجرين وخبراتهم وشهاداتهم، فإن القانون الجديد خصص لجنة رسمية لدراسة هذه المشكلة، ووضع آليات تسهل اندماج هذه الشريحة وتسرعه. يتساءل كويار «لماذا نحن متأخرون عن دمج المهاجرين في سوق العمل والمجتمع؟». ويجيب من نفسه إن هناك ضرورة لتدريب الكوادر المهنية الوافدة لدى ارباب العمل ومؤسسات الإنتاج، وحاجة لأن تسعى كيبك لجذب العمال الأجانب حيال انخفاض من هم في سن العمل. وينطلق كويار من ثلاثة اعتبارات رئيسية «اختيار افضل للكفاءات، اندماج مهني اجتماعي افضل وحياة افضل للعيش معاً» لافتاً الى ان كيبك خصصت لهذه الطموحات مبلغ 425 مليون دولار سنويًا. يأتي ذلك في وقت وصف رئيس المعارضة في البرلمان جان فرانسوا ليزيه القانون الجديد بأنه «خطوة جديدة مرحب بها ولكنها خجولة» داعياً الحكومة والمعارضة الى التنيسيق بينهما في هذا الملف الذي وصفه ب «قانون الضرورة». وكشف القانون الجديد عن ان 43 في المئة من المهاجرين في كيبك (18- 32 سنة) لديهم شهادات اعلى من أقرانهم الكيبكيين. وترتفع هذه النسبة الى 46 في المئة لدى النساء المهاجرات ومع هذه الفوارق الكبيرة في الكفاءات لم يتوافر لهؤلاء فرص عمل يعتد بها. ويبقى معدل العمالة في اوساط الكيبكيين 83 في المئة مقابل 72 في المئة للمهاجرين. اما ابرز الحلول التي توصل اليها القانون فتتلخص في الجوانب التالية: فتح سوق العمل وفقاً لمبدأ «المهاجر المناسب للعمل المناسب» ومنع التمييز بين كيبكي ومهاجر تحت طائلة المساءلة القانونية، وجعل اسواق العمل في كيبك اكثر قدرة على جذب المهاجرين ومنافسة المقاطعات الإنغلوفونية. من جهة اخرى اعلنت دراسة حديثة ل «معهد كيبك» تحت عنوان «مزيد من الكفاءات ولكن بلا عمل» جاء فيها ان مونتريال هي الأكثر ارتفاعاً في نسبة البطالة المتفشية في صفوف المهاجرين وأن اصحاب الكفاءات العائدة للمهاجرين (33 في المئة) مقابل (24 في المئة) للكيبكيين وأن معدل البطالة لدى المهاجرين يترواح بين 13 و18 في المئة مقابل 6 في المئة للكيبيكيين. وأوصى المعهد بتغيير واقع المهاجرين وإعادة تأهيلهم بضعة اشهر والطلب الى ارباب العمل التوقف عن مطالبة المهاجرين بحيازة «التجربة الكندية» كشرط تعجيزي للتوظيف ووحدة الأجور بين المهاجرين والكيبكيين من جهة وبين هؤلاء الأخيرين والنساء المهاجرات من جهة ثانية.