تؤكد النتائج الأولى للانتخابات البرلمانية المصرية التي جرت أول من أمس، أن تركيبة مجلس الشعب الجديد ستمثل قطيعة مع سابقه، خصوصاً لجهة غياب نواب «الإخوان المسلمين» الذين كانوا يسيطرون على 20 في المئة من المقاعد. ورغم ان إرجاء حسم غالبية المقاعد إلى جولة الإعادة المقررة الأحد المقبل، اظهرت النتائج التي توالت أمس اكتساح «الحزب الوطني الديموقراطي» الحاكم الانتخابات، وعدم فوز أي من مرشحي «الإخوان» البالغ عددهم 130، ليخوض 24 منهم جولة الإعادة التي لا يتوقع أن تحقق الجماعة فيها فوزاً فارقاً، في ظل خسارة رموزها، وفي مقدمهم عضوا مكتب الإرشاد سعد الكتاتني وسعد الحسيني. هذه النتائج المخيبة ل «الإخوان» التي عزوها إلى «التزوير المفضوح»، ربما تكون مقدمة لنهج جديد يتبعه النظام مع الجماعة، ليقلص بموجبه هامش الحركة المتاح لها، مستنداً إلى نصوص قانونية، وهو ما لمح إليه عدد من قادة الحزب الوطني خلال الأيام الماضية. وتُلخّص الزيادة اللافتة، بحسب تقارير ائتلافات المراقبة، في الانتهاكات داخل لجان الاقتراع مقارنة بالتجاوزات خارجها، الفارق بين هذه الانتخابات وسابقتها التي جرت العام 2005 تحت إشراف قضائي كامل بموجب مبدأ «قاض لكل صندوق»، وتركزت الخروقات فيها على أعمال العنف في محيط اللجان ومحاولات شراء الأصوات. واستفاد مرشحو الحزب الحاكم هذه المرة من إلغاء إشراف القضاة على اللجان الفرعية وتعيين موظفين عموميين على رأسها يسهل الضغط عليهم، ما أفسح في المجال أمام التلاعب في الصناديق وتسويد بطاقات الاقتراع في دوائر كثيرة، وهو ما رصدته تقارير مراقبين بينهم مراقبو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» شبه الرسمي. غير أن التوقعات التي تزايدت قبل الانتخابات بأن ترث أحزاب المعارضة الشرعية مقاعد جماعة «الإخوان» التي يعتبرها النظام محظورة، لم تتحقق، إذ لم يفز من حزب «الوفد» الليبرالي الذي خاض الانتخابات بنحو 200 مرشح، سوى 4 مرشحين، إضافة إلى 13 آخرين سيخوضون جولة الإعادة، ما يماثل تقريباً عدد نوابه في المجلس المنتهية ولايته. أما حزب «التجمع» اليساري فاحتفظ بمقعدين كانا كل ما يملك في البرلمان السابق، ويخوض 5 من مرشحيه جولة الإعادة. وخرج الحزب «الناصري» خالي الوفاض، بل أن رموز المعارضة غير الحزبية الذين اعتادوا النجاح بسهولة في الدورات الماضية مثل جمال زهران وكمال أحمد، منيوا بفشل غير متوقع. ودخلت المجلس قيادات أحزاب صغيرة مثل «الغد» و «العدالة الاجتماعية». وطرأ على تمثيل الأقباط تحسن طفيف، فارتفع عدد نوابهم من اثنين إلى خمسة فازوا من الجولة الأولى هم وزير المال يوسف بطرس غالي وخالد الأسيوطي ومنى مكرم عبيد وسعاد إسرائيل وسليمان صبحي سليمان. لكن نسبتهم في البرلمان تظل أقل من واحد في المئة، وهو ما قد يعزز مشاعر الغبن والاحتقان الطائفي المتزايدة التي ترجمت أخيراً في صورة مواجهات متكررة بمبررات مختلفة. على أن «الوطني» تخلص في هذه الانتخابات من صداع آخر بخلاف «الإخوان»، وهو مسألة ضم المستقلين المنشقين عنه بعد فوزهم في الانتخابات، إذ حسمها دفعه بأكثر من مرشح على المقعد نفسه، ما تسبب بإرجاء حسم نحو ثلث المقاعد إلى الجولة الثانية، لكن الحزب سيخرج منتصراً أياً كانت نتيجة هذا الثلث الذي يتنافس مرشحوه على غالبيته في مواجهة بعضهم بعضاً. وكان الحزب يدخل عادة في مفاوضات شاقة مع المنشقين عنه بعد فوزهم في الانتخابات، لمحاولة ضمهم وتأمين غالبية الثلثين المطلوبة لإقرار القوانين والتعديلات الدستورية. وهو خرج في انتخابات العام 2005 بأقل من 40 في المئة من المقاعد، ما اضطره إلى تقديم تنازلات لاسترضاء المستقلين المرشحين على مبادئه. بكلام آخر، أحكم «الوطني» سيطرته على الطريق لانتخابات الرئاسة المقررة العام المقبل: تخلص من صداع «الإخوان»، وأفسح لأحزاب المعارضة بقدر لا يسمح لها إلا بحضور شرفي يلبي الحد الدستوري الأدنى المطلوب لطرح مرشحين يكملون الصورة الديموقراطية في الاستحقاق الأهم في الخريف المقبل.