حين تروح سورية تحقق المكسب تلو الآخر في سياستها الخارجيّة، ويتأكد لها ضمان استقرارها، المفضي إلى استقرار المنطقة، يزداد مواطنوها حيرة في أوضاعهم المعيشيّة والاقتصادية. ففيما لم تحقّق الخطّة الخمسية العاشرة للحكومة أهم أهدافها، لناحية تحسين أوضاع الناس وتحقيق العدالة الاجتماعية، تظهر الحكومة التي مضى على تشكيلها سبع سنوات، غير منخرطة في عمق التغيّرات الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الناس العاديون. ذاك أن هذه الحكومة، المملّة في تركيبتها وسياساتها الداخليّة، لم تتوقف عن طرح قفزات اقتصادية لا تتناسب والوضع العام للمواطنين، تمثّلت في رفع الدّعم الحكومي عن المواد الأساسية، والفشل في عملية توزيع هذا الدعم «على من يستحقه» كما تدّعي، وإهمالها انقاذ الزراعة من حالة التدهور والخطر، وغياب تصوّر واضح وحاسم لمحاربة الفساد، وعدم التعامل بجديّة ومسؤوليّة مع البطالة والفقر العموميّين اللذين أنتجا واقعاً اجتماعياً سيئاً، تمثّل بارتفاع معدلات الجريمة والعنف، وبروز ظواهر كتعاطي المخدرات بين الشباب، لا سيما تعاطي الحبوب المخدّرة، التي صار للأسماء التجارية لبعضها شهرة (بالتان، كبتاغون)، وأصبحت من المصطلحات الدارجة بين مختلف الناس، اضافة إلى بعض أنواع المشروبات الكحوليّة الرخيصة وذات النِسب المرتفعة في كحولها والتي عُرّبت أسماؤها الى «بيرة فوكس» و «الدّب» التي تشرب مع تلك الحبوب. هكذا أصبحت كلمات «محبْحبْ» و «مبَلتَن» واسعة الانتشار للدلالة على متعاطي تلك الحبوب، وعلى ظاهرة يعيشها السوريون يوميّاً. وهذه الظاهرة لم تحظ بفعاليّة الاهتمام والمعالجة الحكومييّن، إلا بعد أن وصل الأمر إلى رئيس الجمهورية. ومعروف أن الإشارة إليها، في الصحافة الرسمية والخاصة، والتحذير منها والمطالبة بحلّها، تمّت في شكل مكثّف ومتكرّر، ومضت عليها فترة غير قصيرة. وهذا ما جعل المواطن يشعر بتقصير حكومته. وفي موازاة هذا الاهتمام الرئاسيّ، وارتفاع نسبة التفاعل المباشر بين مؤسسة الرئاسة والقطاعات الاجتماعية المختلفة، تبدو الحكومة متعفّفة عن ممارسة هذه العلاقات وهذا التواصل الاجتماعي. ولا يُستثنى من هذا التعفّف النوّاب، الأمر الذي يطرح من جديد فقر المجتمع المدني ومحدوديّته في طرح أو صناعة رجال دولة متخصصين في الشأن العام الداخليّ والقضايا الاجتماعية. وهو فقر فَقد كثيراً من مبررات العقود السابقة، المتمثّلة بقوة وتصلّب الأيديولوجيا الشعبيّة والسلطويّة ذات المصدر القوميّ والبعثيّ المتشدّد، وتصلّب المنظور السياسي والأمنيّ للبلاد. والحال أن هذه المبررات لم تعد بالقوّة والاقناع نفسهما في سورية الراهنة، والتي بدأت بالتخفّف من وطأة التصور الرومانسي القوميّ لمصلحة تصور وطنيّ أكثر، وإن كان هذا التخفّف في بداياته وليس على مستوى تحدّيات تحديث الدولة. وقصارى القول إن السوريين اليوم مطالبون بالعمل والاشتغال على تقديم شخصيات وطنيّة تحمل همومهم في السياسة الداخليّة، وتُحسن تمثيلهم أمام الحكومة، التي ستجد نفسها في مواجهة رأي عام حقيقي وفاعل. الأمر الذي يكمّل دور مؤسسة الرئاسة. عندئذ تنعدم الحاجة إلى أوراق الطلبات التي ينتظر الناس فرصة الالتقاء بالرئيس لإيصالها. * صحافي سوري.