ولدت السينما عام 1839 وتوالت اكتشافاتها الفنية والتقنية بما حوّل السينما إلى صناعة وفن منذ ظهور أفلام شارلي شابلن، وهي من أوائل الأفلام التي جدلت حبل الود بين الناس والسينما. ليس الهدف هنا سرد نبذة تاريخية عن صناعة السينما، أو الوقوف بمحطات تطورها، ولكن طرح الموقع الثقافي والاجتماعي الذي صارت تحتله داخل مؤسسات التعليم العالي والمؤسسات المحلية والدولية لمجتمعات اليوم، والشاهد أنّ الكثير من الجامعات العالمية أخذت في الاهتمام بالسينما ليس فقط كتخصص سينمائي ولكنها تقوم بذلك بإدخال المنتج السينمائي في صلب تدريسها لمختلف العلوم الانسانية كعلم النفس والانثروبولوجيا والعلوم السياسية، بمعنى توظيف السينما كأداة تحليل للأوضاع الإنسانية والبيئية. ولعل مهرجان بيروت السينمائي 2010 بمشاركة الجامعة الأميركية هناك والندوات العلمية المصاحبة كانا مثلاً لذلك، فقد كان المهرجان يزخر بأفلام شبابية تتحدث بلغة السينما عن واقع الشباب، وكانت الندوات العلمية والنقاش الجماهيري حاضرين لتحليل رموز تلك الأفلام من أحلام الشباب إلى انكساراتهم، وحتى أحاديثهم الجانبية العابرة، كانت بعض الأفلام لا تحمل الكثير من التعبيرات الكلامية ولكن المؤثرات البصرية لهذه الأفلام ما لا يزيد وقت بعضها على عشر دقائق كانت كافية لتكشف عن خبايا الواقع. حضوري أخيراً لمحاضرات تحلل أفلاماً تتناول دور السينما في حركة نهوض المرأة كان حافزاً لأتساءل: ماذا قدمت السينما العربية لقضايانا؟! ولماذا لا تزال السينما نائية عن فضائنا الجامعي في تخصصات العلوم الإنسانية. حين شارك العالم العربي كضيف شرف بالاتحاد الأوروبي ببلجيكا في تشرين الثاني (نوفمبر) 2008، اطلعت على ما عُرض فيه من أفلام عربية، وبأكثر من تفاجئي بمستوى التقنية المتواضع كان تفاجئي بالمضمون الاستشراقي لبعض الأفلام، إذ لم تكن تمت بصلة للقضايا العربية بقدر ما كانت تغذي الخيال الغربي عن صور النساء في الشرق! وعلى رغم ذلك فإن هذا لا يعني أن نهضم السينما العربية حقها، فهناك تجارب ناجحة، منها مثلاً، فيلم «الأرض» لشاهين، وفيلم «الرسالة» للعقاد، وفيلم «ناجي العلي» لنور الشريف، وفيلم «الجنة الآن» لهاني أبوسعد، وغيرها من التجارب السينمائية المعبرة عن الواقع العربي من مصر ولبنان ودول عربية أخرى، إضافة لدخول تجارب سينمائية سعودية شابة في المشهد السينمائي العربي التي يحاول فيها شباب سعودي وشابات حجز مكان لنا في فضاء هذا الفن. وحين أتابع مدى تأثير السينما على الشعوب والثقافة وخروجها من صالات العرض إلى الجامعات يراودني حلم بأن نصنع سينما عصرية نظيفة وجادة ليكون للعالم العربي صناعة سينمائية تؤثر إيجابياً في مسيرة التنمية العلمية والثقافية والاجتماعية. [email protected]