ليليان داود صاحبة الوجه الإعلامي الرصين والصوت الإذاعي المحبب عبر «بي بي سي» الإذاعة والتلفزيون تعمد إلى قول «ما لا يُقال» في برامجها لئلا تكون المقابلات والتصريحات والآراء نِسخاً متشابهة. قبل أن تنتقل إلى إذاعة «بي بي سي» لتقدّم برنامج «بي بي سي إكسترا» عملت في قنوات فضائية متنوعة في وظائف مختلفة، ثمّ قدّمت عبر شاشة «بي بي سي عربي» مع زميلها سمير فرح البرنامج التفاعلي «نقطة حوار» لتتجه بعد ذلك نحو برنامج «ما لا يُقال» الذي انتهى موسمه الأول بنجاح وبدأ التحضير للموسم الثاني منه. اليوم بعد 15 سنة من الخبرة الإعلامية تُسأل: هل يمكن فعلاً في عالمنا العربي قول ما لا يُقال بخاصّةً أنّ كل برامج الحوار تحمل لواء الجرأة لكنّها في النهاية تقف عند حدود ما يُقال فقط لا غير؟ تقول: «المواضيع التي أثرناها تطرقت إليها أكثر من محطة وأكثر من بلد، لكن ما استطاعت «بي بي سي» تحقيقه هو طرح الأسئلة حول هذه المواضيع على المشاهدين في كلّ العالم العربي. إذ استطعنا، مثلاً، معرفة كيف يفكّر اليمني تجاهها وكيف ينظر إليها السوري والمصري واللبناني والسوداني والموريتاني...». الغريب أنّ داود تعرب عن سعادتها لأنّه، بعد كلّ حلقة، كان الجميع يظهرون عتبهم عليها، وتوضح قائلة: «حين يتهمك فلانٌ بأنّك منحاز للطرف الآخر، ثمّ يتهمك الطرف الآخر بأنّك منحاز لفلانٍ تكون قد أتممت مهمتك بنجاح فكنتَ موضوعياً وعلى الحياد من دون مسايرة أحد أو انتظار المديح من أحد». برنامج «ما لا يُقال» تطرق إلى الحديث عن غشاء البكارة، المثلية الجنسية في العالم العربي، اليهود العرب، وضع المسيحيين في الشرق، الحركات الدينية ذات الطابع السياسي وغيرها من المواضيع الدقيقة، وخرج منها كلها من دون تقديم إجابات، على حد قول داود، فهذا البرنامج هدفه طرح الأسئلة لا إيجاد الأجوبة، «لم ندّعِ يوماً أننا نملك إجابات جاهزة للناس فما من أحد يملك مثل تلك الإجابات، ولكن من خلال طرح الأسئلة يمكن المشاهد أن يُحَفَّز للبحث والتفكير وإيجاد إجاباته الخاصّة». هل يحتاج المشاهد العربي إلى محفّز كي يُعمِل فكره؟ وهل تبنّي الأجوبة المعلّبة وقلّة الغوص في التفكير سببه الكسل أم الخوف أم اللامبالاة؟ المشكلة الأساسية في العالم العربي بحسب اعتقاد داود هي الغرق في المُسَلَّمات واعتبار كلّ الفرضيات صحيحة. فحين يأتي أحدٌ ويطرح الأسئلة المناسبة يجبر المستمع على إعادة النظر في آرائه، وهذه بداية التغيير! مثال على ذلك تعطيه داود معتبرةً أنّ المتشدّد الديني حين يتّصل لإبداء رأيه، حتّى لو كان مخالفاً لما يُقال في الاستوديو، يكون قد قام بمساومة على تشدّده أو بخطوة إيجابية نحو الآخر بخاصّةً أنّ بإمكانه غضّ النظر عن الموضوع وعدم الاكتراث لكلّ ما يُناقَش. «الأسئلة التي أطرحها تدعو الناس إلى التفكير، لا يهمّ أي وجهة يتّخذون، المهم التفكير والابتعاد عن حالة الركود والاستسلام». هل يمكن الاستنتاج أنّ هذا النوع من البرامج قادر أن يحقق انقلاباً أو تغييراً فكرياً عند المشاهدين؟ «لا أعرف» تقول، «لكنني أتفاءل خيراً حين أجد انه، على رغم الوقت المتأخّر للبرنامج، ورد إليه 700 اتصال خلال الحلقة من كل أنحاء الوطن العربي بالإضافة إلى 300 رسالة إلكترونية، فذلك يعني أنّ الناس يريدون المشاركة والتعبير عن آرائهم». حين تأسس تلفزيون «بي بي سي عربي» كانت الانتظارات أن يخترق العالم العربي، كما فعلت الإذاعة إبان تأسيسها، لكنّ هذا الأمر لم يحصل، فما السبب بحسب رأي ليليان داود؟ ترى أنّ منطق المحطة بصرياً مختلف عن منطق المحطات الموجودة، «قناة «بي بي سي» لا تعتمد على الأموال الهائلة بل على السمعة والخبرة والصدقية. ثم ان موازنتها قد تعادل موازنة برنامج واحد في محطة أخرى لذلك تركّز على الإبداع والابتكار»، وتضيف: «مَن يبحث عن البهرجة والشكل الخارجي قادر على إيجادهما في محطات كثيرة أخرى أمّا مَن يرد المضمون والموضوعية فيستطيع أن يجده بسهولة على «بي بي سي». حين تتحدّث ليليان عن هذا الموضوع تبدو متحمّسة ومقتنعة ومندفعة ويظهر ذلك في نبرة صوتها وحركة يديها وبريق عينيها، «هذه المحطة أحبّها جداً وأنا غير مستعدة للمساومة عليها فقد تأتي أحياناً عروض مالية مغرية لكنّني أرفض أن أترك مكاناً أجد فيه نفسي، لم أعد أستطيع العمل في محطة تنحاز لهذا وذاك، هنا يمكنني أن أناقش الجميع في الأمور غير المقتنعة بها وكلّ شيء يدفعك لتكون حيادياً وموضوعياً». أخيراً، تطمح ليليان الى أن تنقل برنامج «بي بي سي إكسترا» الذي تقدّمه عبر الإذاعة ويحظى بنسبة استماع تفوق 12 مليون مستمع إلى الشاشة ليكون مجلة غنية ومنوّعة.