تعيش رينيتا فتاة هنديّة (27 سنة) قصة مثيرة إلى حد كبير مع مشكلة فقدان السمع، إذ وُلِدَت مع قدرة كاملة على السمع. وفي الطفولة، بدأت اكتساب قدرات لغويّة ككل من هم في عمرها. وفي السابعة، وهو العمر الذي يصبح فيه تطوّر الطفل بطريقة طبيعيّة من المسلمات لدى الأهل، أصيبت رينيتا بإنفلونزا حادة وشديدة، وأعطاها الأطباء أدوية متنوّعة. لا تدري رينيتا إذا كانت «الضربة» جاءتها من الداء أو الدواء، لكن تلك النقطة كانت بداية رحلتها المريرة مع فقدان السمع. في البداية، وصف لها بعض المختصين سمّاعات خاصة، استناداً إلى احتفاظها ببعض القدرة الضئيلة على السمع. ومع بلوغها الرابعة عشرة، تضاءلت تلك القدرة، فصارت رينيتا صمّاء كليّاً. لم تعد السمّاعات تساعدها. وفقدت قدرتها على التواصل مع مجتمعها، كما تأثّرت دراستها وعلاقاتها مع زملائها. واستسلمت إلى عالم مرير من الصمت المطبق. استمرت رينيتا على ذلك الحال حتى عمر العشرين. وعلى رغم أنّها تعلّمت قراءة الشفاه، فإن قدرتها على التواصل اللغوي تدهورت بسبب قلة الاستخدام. وعند تلك النقطة، نصحها الأطباء بزرع قوقعة اصطناعيّة في إحدى الأذنين. وعلى رغم صعوبة القرار، فإن بديله لم يكن سوى الصمم مدى الحياة، وهو مصير رفضته رينيتا التي كانت تذكر شعور السمع والتواصل، والقدرة على أن تكون جزءاً من المجتمع. وبعد عملية زرع القوقعة، تهيّأت رينيتا لموعد التركيب الأول: يوم تشغيل مُعالِج الأصوات في القوقعة الاصطناعيّة وبرمجته. وبعد سنوات طويلة من الصمم، تدفق الصوت في أذن رينيتا من جديد، حاملاً معه سعادة لا توصف. غمرت الفرحة العائلة الي أحسّت أنها «استعادت» ابنتها القادرة على التواصل طبيعيّاً معهم. وكانت تلك هي الخطوة الأولى في رحلة العلاج. وبدأت رينيتا مرحلة إعادة التأهيل، ومراجعة مختصين بالسمع والنطق المنتظم. وتحسّنت تدريجيّاً. ولتعزيز التحسّن، اتخذت رينيتا قرار زراعة غرسة القوقعة في أذنها الثانية أيضاً، لأن السمع بأذنين يسهل فهم الكلام والأصوات، خصوصاً في الأماكن الصاخبة كالمطاعم والمراكز التجارية، إضافة إلى تسهيل عملية تحديد اتجاه الصوت. الاكتشاف المبكّر وغيابه حاضراً، تعمل رينيتا في شركة «ميد إل»MED-EL ، وهي الشركة التي تصنّع غرسات القوقعة الاصطناعية في آذان فاقدي السمع كليّاً أو جزئياً. وتعمل رينيتا مسؤولة عن التواصل مع المرضى، وتعمل على نشر تجربتها، وتقدّمها كخبرة في التعامل مع مشكلة فقدان السمع، ودافعاً أيضاً لاتخاذ قرارات صائبة في التعامل مع المشكلة، خصوصاً زرع القوقعات الاصطناعيّة. أخيراً، حضرت رينيتا إلى بيروت لتساهم في معرض لشركة «ميد إل»، استفادت منه تلك الشركة في نشر الوعي بمشكلة فقدان السمع. وتعتبر «ميد إل» من الشركات الرائدة في الإلكترونيّات الطبيّة («ميديكال إلكترونيكس» Medical Electronics)، وتتخذ من النمسا مقراً لها وتملك 29 فرعاً في العالم. ويتركّز عملها على زراعة الأجهزة السمعيّة، بل كانت من الشركات السبّاقة في ذلك المجال الحسّاس. وابتدأت الشركة كمشروع عائلي، للعالمان النمسويّين إنغبورغ وإرفين هوخماير اللذين طوّرا أوّل قوقعة إلكترونية متعدّدة القنواتMulti- channel Cochlear Implant في العام 1977. ولا تزال تلك القوقعة تتصدّر البدائل الاصطناعيّة المستخدمة في تعويض حاسة السمع لدى الإنسان. ويعمل لدى الشركة حاضراً ما يزيد على 1500 موظّف. ومنذ تسعينات القرن العشرين، تعمل شركة «ميد إل» في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بل صارت أحد أكبر مزوّدي غرسات قوقعة الأذن في المنطقة. ونجحت الشركة في نسج شبكة من الشراكات المرموقة مع مستشفيات رائدة وأطباء بارزين في تلك المنطقة. وبصورة عامة، يسود شبه إجماع بين المختصين في مشاكل السمع على أهمية نشر الوعي عن ضرورة فحص السمع للأطفال الحديثي الولادة. لذا، ركّز معرض الشركة في بيروت عبر فعالية «أين نحن اليوم في لبنان، من الكشف المبكر عن نقص السمع والتدخل المبكر [في علاجه]». وفي سياق ذلك الحدث الذي شاركت فيه أوركسترا لبنان، أوضحت وزارة الصحة أنّها أضافت فحوص السمع إلى السجل الطبي للأطفال في لبنان في نهاية عام 2015. وشارك في الحدث ممثلون للجامعة الأميركيّة في بيروت، مختصون في الحقول الطبيّة المتّصلة بذلك الموضوع، ونقابة القابلات القانونيات في لبنان. وشدّد المشاركون على أهمية تنبّه الأهل لمشاكل السمع لدى أطفالهم في وقت مبكر، إضافة إلى دور طبيب الأطفال في تلك المشكلة. وأعطوا أهمية فائقة لنشر الوعي بما تقدّمه غرسات القواقع الإلكترونيّة من إمكانات في علاج فقدان السمع جزئياً أو كليّاً، بل اعتبروها بديلاً عن السمع الطبيعي. ولم يتردّدوا في الإشارة إلى أن السمع يكاد يكون الحاسة الوحيدة التي توجد بدائل اصطناعيّة لحل مشاكل فقدانها في معظم الأحوال. وركزّوا على ضرورة غرس القوقعة الاصطناعيّة في سنّ مبكرة من الطفولة، كي تتدفق إلى دماغ الطفل المعلومات الصوتيّة في وقت يكون الدماغ مستعدّاً لتعلم اللغة والأصوات. واعتبروا أن القاعدة الذهبيّة تتلخص في الكلمات الآتية: كلما قصرت فترة الصمم، زادت فرصة الاستفادة من زراعة القوقعة الاصطناعيّة. ولفتوا إلى أن التقدّم التكنولوجي بات يتيح زرع غرسات القوقعة الاصطناعية خلال العام الأول من عمر الطفل.