السبت الماضي رحل محمد داود عودة، الملقب ب «أبو داود»، مؤسس تنظيم «أيلول الأسود» الذي نشأ للرد على طرد الفلسطينيين من الأردن العام 1970. وهو كان قائد عملية احتجاز رياضيين اسرائيليين أثناء الألعاب الأولمبية في ميونيخ العام 1972، والتي أسفرت عن مقتل 18 شخصاً، بينهم 11 رياضياً اسرائيلياً وشرطي ألماني و5 مسلحين فلسطينيين. ربما كان رحيل «أبو داود» في الوقت الذي يشهد العالم دورة المونديال ليس في مصلحة القضية الفلسطينية. فرحيله ذكّر العالم بواقعة ميونيخ، التي تسببت لاحقاً في موجة اغتيالات لكبار المسؤولين الفلسطينيين على أيدي عملاء للموساد الإسرائيلي، وصارت مادة لفيلم أميركي يثير الغيظ من الإسرائيلي. لكن الرجل رحل وهو يعتبر عملية ميونيخ «نقطة تحول» بالنسبة الى الفلسطينيين، والقضية الفلسطينية، ففي رأيه هي التي «جعلت الناس يتساءلون عن هؤلاء الإرهابيين. وماذا يريدون. قبل ميونيخ لم تكن لدى أي شخص أدنى فكرة عن فلسطين». هذا ما كان المناضل الفلسطيني أبو داود يؤمن به. أبو داود من الجيل الأول للأبوات، وان شئت الجيل الذي كان يمارس النضال ضد الاحتلال على قاعدة ان جميع الإسرائيليين أهداف مشروعة. ورغم ان زعامات هذا الجيل اختفت، أو خرجت من الساحة، لم تزل الفكرة التي أسسها هذا الجيل باقية، وإن أخذت بُعداً دينياً، ولعل هذه الإشكالية أخطر ما يواجه القضية الفلسطينية اليوم. اللافت ان جيلاً فلسطينياً كاملاً اصبح يتعامل مع الأدوات السياسية في الصراع مع اسرائيل، ويرى ان الحل في النهاية سيكون سياسياً مهما كانت الإحباطات الراهنة. في المقابل لم يطور الفلسطينيون وسائل موازية للنضال ضد الاحتلال، بل أجهزوا على انتفاضة الحجارة، وأدموا معصمها بالبنادق والعنف، وافسدوا صورتها الجميلة، التي أبهرت العالم، وجعلته يتعاطف مع الحق الفلسطيني. ان تغير أساليب الصراع لا يعني أن الراحل «أبو داود» لم يكن مناضلاً شريفاً. فهو أفنى عمره يقاتل من أجل العودة الى أرضه. لكن رحيله مع استمرار نماذج فلسطينية وعربية تستبيح قتل المدنيين، وتعيد انتاج اخطاء السابقين، يضاعف الحزن على فراق مناضل بحجم «أبو داود». رحم الله «أبو داود».