سمو أمير القصيم يشيد بجهود "كبدك" ويدعم مسيرتها في خدمة مرضى الكبد    3450 خريجة في أكاديمية القيادة الصحية    تبرعات إحسان تتجاوز 858 مليون ريال    طيران الرياض ينطلق في 2025 لتقديم تجربة سفر لا مثيل لها    قرار طبي في الهلال من أجل ميتروفيتش    ولي العهد يتلقى رسالة خطية من رئيس إريتريا    السعودية تشارك في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص في "تورين" الإيطالية    الضباب يعلق الدراسة بالباحة    وزير العدل يدعو لرفع مستوى جودة الأحكام القضائية الصادرة من الاستئناف    غدا.. تكريم الفائزين بجائزة التميز الإعلامي    السينما السعودية.. غياب للقصة المحلية وتراجع المشاهدات    ميزة في Whatsapp لمستخدمي iOS    ضيوف "خادم الحرمين": جهود المملكة عززت من رحلتنا الإيمانية    التلاعب بالإجازات المرضية.. السجن و100000 ريال    النجمة أمام العدالة.. وجدة يلاقي أبها.. والجبيل يواجه العين    ترامب يثير الجدل: أوكرانيا قد لا تنجو من الحرب مع روسيا    ريال مدريد يفوز على فاليكانو ويتقاسم قمة الدوري الإسباني مع برشلونة    سورية: اشتباكات عنيفة مع فلول النظام السابق ومجرمي الحرب بمحيط قرية تعنيتا    نمو الناتج المحلي 1.3 % خلال عام 2024    المرأة السعودية.. من التمكين إلى الريادة    أعمال «مرور الرياض» أمام محمد بن عبدالرحمن    الدول المنتجة للنفط تخفّض الانبعاثات بتعزيز كفاءة التشغيل    الإفطار الرمضاني بالعُلا تجربة تنبض بعبق التاريخ والتراث الأصيل    هدم 632 منزلاً في طولكرم    "الداخلية".. خطط متكاملة لتعزيز الأمن وإدارة الحشود    مكة في عهد عبد الملك بن مروان.. استعادة السيطرة وإعادة الإعمار    أمير تبوك يطلع على التقرير السنوي لمديرية الدفاع المدني بالمنطقة    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة ترسخ مبادئ التمكين الثقافي للمرأة السعودية    مشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية يجدد مسجد فيضة أثقب بحائل    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لجمعية الأمير محمد بن ناصر للإسكان التنموي    مركز التأهيل الشامل بالبكيرية يقيم وجبة إفطار جماعي لذوي الإعاقة    تجمع القصيم الصحي يطلق حملة "صم بصحة" لتعزيز الوعي الصحي خلال شهر رمضان المبارك    يوم العلم السعودي.. اعتزاز بالهوية وترسيخ للقيم    أجواء روحانية ومزيج من العادات الرمضانية يعيشها المقيمون في المملكة    لقاء خاص مع الممثلة السعودية أسرار أسامة: نجمة صاعدة تضيء سماء الدراما والمسرح السعودي    أمين منطقة القصيم يفتتح مقر حملة جود القصيم    أمريكا ترصد 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن متزلج كندي    حبست زوجها على شرفة المنزل.. فمات من البرد    أكذب من تيك توك!    الموت يغيب أيقونة الطرب المغربي نعيمة سميح    1340 حالة ضبط ممنوعات في المنافذ الجمركية خلال أسبوع    الدفاع المدني يوضح أرقام الطوارئ أثناء الأمطار    الاتفاق يعبر العروبة بثنائية    %95 يؤيدون أن تتضمن لوحة المفاتيح رمز الريال    الجامعات السعودية تتصدر قائمة أفضل 100 جامعة في العالم    المرأة السعودية.. شريك أساسي في بناء المستقبل بفضل رؤية القيادة الرشيدة    40 مبدعًا يمثلون المملكة في آيسف 2025    عثرات فبراير.. وكذبة أبريل    الهلال يحافظ على كنو    الصيام الإلكتروني    الدولة بين واجبات السياسة وفنون الإدارة 2/2    الجامعة العربية تدين تصاعد العنف في الساحل السوري    2027 عام الحسم أم استمرار الجمود في مضيق تايوان؟    المرأة ومأزق المربع الأول    الذكاء الاصطناعي يقتحم المطبخ    تقنية متطورة لاستئصال أورام الدماغ    كفاءة الإنفاق بالتعليم تلغي اللجان المركزية    في يومها العالمي.. المرأة السعودية تتقدم وتشارك بفعالية في بناء الوطن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«توراندوت» لبوتشيني: ألف ليلة ولكن على الطريقة الايطالية
نشر في الحياة يوم 11 - 06 - 2010

ليس من اليسير معرفة ما اذا كان عالم الفن والأدب، سيكرس لحكاية «توراندوت» أي اهتمام خاص لولا ان الشاعر الألماني الكبير شيلر، اكتشف هذه الحكاية في ثنايا كتاب فارسي قرأه بالصدفة، ويقول مؤرخو حياته ان اسمه «ألف يوم ويوم»، ولربما لم يكن هذا الكتاب شيئاً آخر غير «ألف ليلة وليلة» العربي الذي نعرف ان له أصولاً فارسية وهندية وصينية، بين أصول عدة اخرى. يومها، اذ أبدى شيلر اعجابه بالحكاية، قيل له ان الايطالي كارلو غوتزي، كان حوّلها الى مسرحية من فصول خمسة عرضت للمرة الأولى في البندقية عام 1762. على الفور حصل شيلر على نسخة من النص الايطالي، وترجمه الى الألمانية ليقدم على المسرح في فايمار، من اخراج غوته!
إن عملاً يحمل في تاريخه كل هذه الاسماء، لا بد من ان يكون، في نهاية الامر، شيئاً ما. ومع هذا، اذا قرأنا الحكاية اليوم سيدهشنا واقع انها أثارت كل ذلك الاعجاب، ولا سيما، من لدن كل اولئك الرومنطيقيين. ولعل الجواب عن أي تساؤل في هذا الاطار، يكمن ها هنا: في المناخ الغريب الذي تدور ضمنه حكاية لا عمق فيها، ولا حتى دراما عنيفة. فيها فقط احداث تتوالى، ولحظات تحبس الانفاس، وصراع معرفي، يذكر هنا، ببعض حكايات «ألف ليلة وليلة»، حقا، مثل حكاية «الجارية تودد» على سبيل المثال.
ولعل هذه العناصر، اذ اجتمعت هنا، ناهيك بتدخل اسمي شيلر وغوته في الأمر، هي ما اغرى الموسيقي الايطالي جاكومو بوتشيني، بعد زميلين له، هما الألماني كارل ماريا فان فيبر، والايطالي فروشيو بوزوني، بأن يحول هذا النص الى أوبرا. وذلك انطلاقاً من فكرة كانت تقول، انه كلما كان النص الشعري أبسط وأكثر خواء، كلما أتاح ذلك للعمل الموسيقي ان يفرض نفسه. ولا ننسين هنا ان بوتشيني قد اشتغل على «توراندوت» خلال الاعوام الاخيرة من حياته، بل انه مات من دون ان يكمل الفصل الثالث والاخير من الأوبرا، التي لم تعرض، على اي حال، للمرة الاولى، الا بعد موته في عام 1924، في ميلانو، وقد قاد الاوركسترا في عروضها الأولى آرتورو توسكانيني. ولا بد من ان نذكر هنا، منذ الآن ان «توراندوت» لم تضف شيئاً الى رصيد بوتشيني ومجده، لا خلال حياته ولا بعد موته، حتى وإن كانت - وحتى الآن - واحدة من الاوبرات التي تقدم اكثر من اية اعمال اخرى له. ومرة ثانية لا بد من ان نفترض ان ما يثير الاعجاب والاقبال على هذا العمل، انما هو بساطته ومناخه الرومنطيقي وغرابة اجوائه. وهي امور تساهم فيها موسيقى بوتشيني مساهمة اساسية، ولا سيما في اقتباسات من الموسيقى الصينية، لا عبقرية فيها على اية حال.
ان هناك اختلافات لا بأس فيها، بين النص الأوبرالي الذي اشتغل عليه بوتشيني، وبين المسرحية الاصلية، ولعل اهم هذه الاختلافات يكمن في الفصل الثالث ومن حول شخصية اساسية هي الحسناء ليو، التي كان اسمها لدى غوتزي أدلما، كما سنرى. وليو هذه ليست بطلة الاوبرا، لكنها محور اساس من محاور الاحداث... ومن هنا، اذ بدّل بوتشيني شخصيتها ليجعلها تنتحر اذ افشت سر اسم حبيبها امام الاخيرة الظالمة توراندوت، كان هذا التبديل، أساسياً في اضفاء طابع رومانسي/ تراجيدي على العمل... بل اعطاه لحظة استيقاظ لا شك فيها. ولنعد هنا الى احداث «توراندوت». وهذه الاخيرة أميرة صينية حسناء، مدللة، لديها افكار وآراء تصب كلها في كراهيتها للبشر. واذ يطلب اليها ذات يوم ان تختار عريساً لها من بين المتقدمين المتزاحمين طمعاً في العرش الذي يمكن ان ترثه عن أبيها، الضعيف امام نزواتها، تشترط توراندوت في عريسها العتيد ان يتمكن اولا من حل ثلاثة ألغاز تطرحها عليه. فإذا نجح يتزوجها، اما اذا فشل فإن رأسه تقطع. وحين تبدأ الأوبرا، نعرف ان كثراً كانوا قد حاولوا وفشلوا. اما الآن، فنحن في بكين، ولدينا الأمير الشاب خلف، الذي يرافق اباه، ملك التتار المخلوع تيمور، وعبدته الحسناء ليو، التي تحبه في سرها وتخلص له، وها هي ترافقه وترافق اباه، هاربين من قمع السلطات التي خلعت الاب عن عرشه. في بكين، يجد الثلاثة انفسهم وسط جموع تبدو مهمومة بآخر شخص أعدمته الأميرة توراندوت، لأنه تقدم لها وعجز عن حل الألغاز. واذ يشاهد خلف الأميرة ينبهر بجمالها البارد القاسي، وبفكرة انها صعبة المنال، فيقرر ان يجرب حظه. لكن اباه والعبدة ليو يحاولان ردعه عن ذلك، كما تحاول ردعه ثلاث من نساء البلاط الصيني: بنغ، بانغ، وبونغ (اللواتي يقمن، الى حد ما، بدور الكورس)... لكن الأمير خلف لا يرتدع، خصوصاً ان النساء الثلاث اذ يشتكين امامه من حال الامبراطورية المتردي بسبب قسوة الأميرة توراندوت، وعجز أبيها عن امساكها... يخبرن الأمير بأن توراندوت لن تعرف الهدوء، وبالتالي لن تستعيد الامبراطورية حالها، الا اذا عاشت توراندوت حباً حقيقياً. أي اذا قرّرت توراندوت ان يكون هو هذا الحب. فيتقدم ليحل، في الفصل الثاني، يوم امتحانه.
عندما يصل خلف، ولا احد هنا يعرف هويته الحقيقية او اسمه، او انه ابن ملك التتار المخلوع، يكون اهل البلاط مجتمعين معاً والأميرة تتوسطهم. وما إن يعلن خلف نياته، حتى تطرح عليه توراندوت الحسناء الغازها الثلاثة. وهو، بسرعة، وامام دهشة الجميع، بل ذهولهم، كما امام الفرحة العامة، داخل القاعة، يجيب حالاً الالغاز في شكل صحيح. لكن الفرحة لم تكن عامة. ذلك ان توراندوت تشعر بأقصى درجات الاستياء ثم تلتفت الى أبيها الامبراطور طالبة منه، ان يحلّها من وعدها، وأن يخلعها من هذا المجهول... لكن الامبراطور لا يريد هذا، لذا يصم اذنيه عن مطلب ابنته، ويسود القلق لحظات، حتى يقف خلف نفسه، ويقول للأميرة انه يحلّها من وعدها ويخلّصها منه شخصياً، ان تمكنت من ان تعرف اسمه الحقيقي ومن أين أتى... وذلك قبل انبلاج ضوء الفجر. وكان واضحاً ان خلف انما اراد بهذه المناورة ان يكسب حب الأميرة من طريق سيطرته المعرفية عليها... اما هذه، فإنها اذ بدا ان انتصاره عليها سيبدل شخصيتها، تقرر ان تهزمه، وهكذا تشغل نفسها طوال الليل بالبحث عنه وعن اصوله، بل يصل بها الامر الى ان تعرض عليه ثروة طائلة ومناصب عالية، ان هو افشى السر امامها بحيث يمكّنها من الانتصار عليه، لكنه يرفض. فتلجأ الى حيلة اخرى: تأمر بأن يؤتى اليها بمرافقي خلف، أبيه وعبدته مقيدين. واذ تهدد الأميرة بقتل تيمور، تضحي ليو المسكينة بحبها لخلف، فتخبر الأميرة انها الوحيدة التي تعرف هوية الشاب... فتتعذب حتى تنتحر في النهاية، محتفظة بسرّها الغرامي لنفسها مخلّصة تيمور من مصير رسم له. وهنا لا يسع توراندوت، امام قسوة ما حصل، الا ان تذعن... لكنها تكتشف وهي تفعل هذا، انها باتت منجذبة نحو الشاب المقدام. اما هو فإنه، اذ يبقى هنيهة معها، يؤنبها على برود عواطفها وقسوتها، ثم يطبع على شفتيها قبلة - تردّ كل انسانيتها اليها للمرة الاولى في حياتها. وهنا، اذ يقهر خلف كل مقاومة لدى توراندوت، يفشي لها بسره. واذ ينبلج الفجر، ويتجمع اهل البلاط، تقف توراندوت في وسطهم لتعلن انها، اخيراً، عرفت اسم الشاب: انه الحب.
يعتبر جاكومو بوتشيني (1858-1924) من آخر الكبار في فن الاوبرا الايطالي وهو ولد في توسكانا ومات في بروكسيل، وتميز فنه بالنزعة الطبيعية، حتى وان كانت موسيقاه تخلفت عن الحداثة الموسيقية التي سادت في زمنه. وحتى هنا غلب على اعماله طابع كلاسيكي لا يخلو من رومانسية، ومن اشهر هذه الاعمال «البوهيمية» و «مدام باترفلاي» و «توسكا»... وغيرها.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.