طغت المقارنة بين الورقي والإلكتروني في الكتب والصحف والتعليم، على كثير من النقاشات المتّصلة بالشأن المعلوماتي عربياً. ربما كان مستطاعاً تفسير استمرار النقاش بافتنان العرب بأن يكون كل شيء أبيض أو أسود، وربما لأن بدايات النشر الإلكتروني لم تكن واضحة تماماً حتى في الغرب. ولكن، وصل الأمر الآن إلى حال تسمح برؤية واضحة نوعاً ما، مع الابتعاد عن الحدّة في المقارنة. وفي صورة أساسيّة، يمثّل الورقي والرقمي طريقتين مختلفتين في عرض المحتوى. الأرجح أن القارئ تعوّد على إحداهما، وهي الكتب المطبوعة، بل ارتبطت ذهنياً بالقراءة متعتها وتحصيلها. ويشكّل المحتوى الإلكتروني، وهو تعبير ربما كان أكثر دقّة من مصطلح الكتب الإلكترونيّة، وسيلة تعطي القارئ إمكان القراءة والاستماع والمشاهدة والمشاركة، من دون وسيط خارجي آخر. ليكن الأمر أكثر تفصيلاً. ثمة من يفضّل الكتب المطبوعة لأنها تسمح بتحديد الصفحة المقروءة وتلك التي يرغب القارئ في العودة إليها لاحقاً. وعلى الورق، تسهل كتابة هوامش وملاحظات، كما يبرز إمكان كتابة ملاحظات على أوراق صغيرة تدرج في مكان يختاره القارئ بين أوراق الكتاب. في المقابل، تعطي التقنية المعاصرة برمجيات عدة فيها إمكان الانتقال إلى الإنترنت ومشاهدة الفيديو الخاص بالخبر أو القصة التي تقرأ رقميّاً. إذ يوضع الهاتف الذكيّ أمام الصورة المطبوعة، ثم يشغّل برنامج خاص على الهاتف، فيصل القارئ الى أشرطة تتصّل بالمادة التي يقرأها رقميّاً. ويحاول المطبوع أن يجاري الإلكتروني في أمور كثيرة، مع الاحتفاظ بالمزايا الأصلية للوسيط الورقي. وفي هذا السياق، يصار إلى الاستعانة بوسائط خارجيّة تشمل الهاتف الذكيّ وبرمجيات متطوّرة اخرى. ويأتي المحتوى الإلكتروني الذي يعرض على أدوات ذكيّة كال «آي باد» وجهاز القراءة الإلكتروني «كندل» Kindle، في شكل أكثر تطوّراً وإفادة وقابلية للتفاعل مع طلبات القارئ، إضافة إلى تنوّعه وتكامله. تبدّل المفاهيم يتيح الوسيط الإلكتروني أيضاً التنقّل عبر الصفحات بطرق عدة منها الضغط على العنوان في فهرس المحتويات، واختيار ملاحظة ما من فهرس مخصّص لها، وكذلك الحال بالنسبة للعلامات. ومن المستطاع تكبير الخط وتغيير نسبة إضاءة الشاشة، بما يتناسب مع عين القارئ ودرجة الإضاءة في المكان الذي يكون فيه. ويستطيع القارئ أيضاً تحديد شكل عرض الصفحات، فتكون على هيئة نافذة في شاشة الجهاز أو تتمدد على مساحة الشاشة بأكملها. وبطريقة سلسة، يتضمن المحتوى الإلكتروني ما يمكن أن يحتاج إليه المستخدم كأشرطة الفيديو والمواقع الشبكيّة والتسجيلات الصوتيّة وغيرها. الأرجح أن هناك حاجة لتغيير المفهوم الشائع عربيّاً عن الكتاب (المحتوى) الإلكتروني. إذ تجاوزت المسألة كونه كتاباً مصوّراً رقميّاً بملفات ال «بي دي أف» ، ما يمكّن من قراءته عبر أجهزة متنوّعة. وبات للكتاب الإلكتروني القدرة على تحديد فقرة أو صورة أو شريط فيديو، وكذلك إرسال تلك المواد عبر البريد الإلكتروني أو شبكات الإعلام الاجتماعي. كما يعطي الكتاب الإلكتروني القدرة على قراءة تعليقات من يطالعون الكتاب في الوقت الذي كتابة تلك التعلقيات فعليّاً. وتفتح تلك الأمور المجال أمام نقاش وحوار بين من يكتب ومن يقرأ، بغض النظر عن أمكنة وجود الطرفين جغرافيّاً. وهناك المكاسب المالية التي يمكن أن تعود على المنتج بواسطة النشر الإلكتروني الذي يوصف أيضاً بأنه صناعة ثقافية. ويحتاج هذا الملمح إلى نقاش آخر.