إلى أي صناعة وثقافة ينتمي الكتاب الالكتروني؟ هل يصح الحديث عنه كشاشة لها ماهية مستقلة وهوية مُكرّسة وصناعة قائمة بذاتها وثقافة تبرر فرادتها بين أنواع الشاشات؟ هل يؤدي تصاعد المنافسة بين شركات المعلوماتية والاتصالات على صنع أجهزة الكتاب الإلكتروني، إلى تكريسه «شاشة خامسة» للقرن ال 21، على غرار اكتساب الخليوي لقب «الشاشة الرابعة»، والويب (مع الكومبيوتر) «الشاشة الثالثة»، باعتبار أن هذه الشاشات الرقمية جاءت بعد التلفزيون والسينما، وهما أصحاب اللقبين الأولين، إضافة لتسميتهما بالفضية والبيضاء على التوالي؟ لا تنحصر المسألة بالأسماء، بل تذهب الى ما تدل عليه. فكل شاشة حازت خصائص ميّزتها عن سواها، وأعمق من ذلك أنها ارتبطت بصناعة وثقافة مختلفة عن سواها. لا يصعب تصور ذلك بالنسبة للتلفزيون والسينما. وكذلك يسهل التفكير في المزايا الخاصة لشاشة الويب. ولأن شاشة الخليوي جاءت من الاتصالات المتطورة، فمن السهل الحديث عن تميّز صناعتها وثقافتها. ماذا عن الكتاب الالكتروني؟ في مستهل النقاش عنه، تجدر ملاحظة أن الأجهزة المختلفة للكتاب الإلكتروني تتقاطع في انها تجمع الترفيه الرقمي (الكاميرا، الألعاب الإلكترونية، أشرطة الفيديو الرقمية، الموسيقى المتنوّعة، ألعاب الإنترنت والكومبيوتر، والاتصال مع التلفزة عبر الويب)، والاتصالات المتطورة (مع تشديد بارز على الاتصال مع الانترنت)، إضافة إلى النصوص والكتب الإلكترونية بأشكالها المتنوعة التي تعتبر أساساً فيها. ويصعب عدم التشديد على ان صُنّاع الكتاب الإلكتروني كافة، أبدوا اهتماماً كبيراً في أن «تمتص» أجهزتهم الترفيه الذي تقدّمه الألعاب الإلكترونية، ما يبعد المنافسة بينهما، ويجعل الألعاب الرقمية رافداً لشاشة الكتاب الإلكتروني. شاشة خامسة بأجهزة متعددة لنتأمل بسرعة شاشة الكتاب الالكتروني «بلاي بوك» Play Book الذي أطلقته شركة «ريسرش إن موشن» RIM التي تصنع خليوي «بلاك بيري» Black Berry. يحتوي هذا الكتاب كاميرتين إحداهما لإلتقاط الصور وأشرطة الفيديو، وتعمل الثانية ككاميرا «ويب» لدعم الاتصالات المرئية - المسموعة عبر الانترنت. ويتضمن تقنية «تشيرنغ» التي تمكّن من ربطه مع شبكة «بلاك بيري» كي يعمل كجهاز متطور في الاتصالات الخليوية. ويضم متصفحاً للإنترنت، يستطيع التعامل مع ملفات «فلاش»، وهي ميزة يفتقدها «أي باد». ويديره نظام تشغيل «كيو أن أكس» QNX نيوترينو، الذي اختُبِر في محطة الفضاء الدولية وأجهزة توجيه السيارات من الأقمار الاصطناعية. ويبلغ طوله 19 سنتيمتراً، مع شاشة بقياس 18 سنتيمتراً. ويحتوي منافذ للإتصال مع الكومبيوتر وشاشات التلفزة. لنقارن ذلك مع جهاز «كندل دي أكس» Kindle DX، الذي تروّج له شركة «أمازون» Amazon الشهيرة. ويمثّل النسخة الثالثة من سلسلة أدوات «كندل» لقراءة الكتب بالأدوات الإلكترونية. ويتميّز برهافة تصميمه، إذ لا تزيد سماكته عن المجلات العادية. ومع ذاكرة رقمية بسعة 3.3 غيغابايت، يستطيع «كندل دي أكس» تخزين 3500 كتاب، بمعنى أنه مكتبة ضخمة محمولة. ويستطيع الاتصال لاسلكياً مع الانترنت من دون الحاجة الى الكومبيوتر. ويصل حجم شاشته إلى 9.7 بوصة، ما يوازي حجم الورق العادي. ومن خلال إدراة الشاشة بين يدي حاملها، يستطيع التنقل بين عرض الصور على مساحة الشاشة كاملة، والاقتصار على عرض النصوص. ويعمل ببطاريات تمكنه من العمل قرابة اسبوعين من دون الحاجة الى إعادة شحنها. ويحتوي قارئ للملفات الرقمية المصورة من نوع «بي دي أف». ويتصل مع الانترنت عبر شبكات الخليوي من نوع «3 جي»، فلا يستغرق إنزال الكتاب المتوسط الحجم سوى دقيقة. ويحتوي برنامجاً لقراءة النصوص صوتياً. وكذلك يعطى لمشتريه في الغرب إمكان الاشتراك في صحف مثل «نيويورك تايمز» و «واشنطن بوست»، وتحميلهما يومياً عليه. ويتوافر في السوق الأميركية بسعر يقل قليلاً عن خمسمئة دولار. بديهي القول أيضاً ان «كندل دي أكس» ليس مشروعاً مفرداً في نوعه. فمثلاً، تسوّق شركة «سوني» اليابانية كتابها الإلكتروني «ريدر» في الأسواق الغربية. لنأخذ مثالاً آخر، وأكثر شهرة حاضراً، عن «الشاشة الخامسة». إنه «أي باد» بالطبع. وبعد ان ضربت استراتيجياً مرتين في أقل من خمس سنوات، مع «آي بود» iPod و «آي فون» iPhone، هزّت شركة «آبل» Apple عالمي المعلوماتية والاتصالات معاً بإطلاقه جهاز «أي باد» iPad. ليس الأمر أنه مزيج من كومبيوتر وخليوي. ثمة أجهزة تتمتع بهذه الصفة، لكنها لم تحرز نجاحاً كبيراً، ولعل أبرزها هو «أي باك» iPack الذي تصنعه شركة «آتش بي» HP. ويصعب اختصار التغيير الذي فتح آفاقه بالإستفادة من شيوع تقنيات مثل الشاشات التي تعمل باللمس، وانتشار الهواتف الذكية التي تقدر على التعامل مع مواقع الانترنت. ويزيد في ضرورة التأمل في «آي باد»، أنه يركض على حطام تجارب فاشلة لإنتاج أجهزة ذكية تتكثّف فيها أبعاد عالمي المعلوماتية والاتصالات، على غرار أجهزة ال «ميني لاب توب» التي تنتجها أكثر من شركة، إضافة الى فشل تجربة كومبيوتر الانترنت وحاسوب اليد (مثل «بالم كومبيوتر») وغيرها. ويستند «أي باد» بوضوح الى رواج الموسيقى الرقمية وأشرطتها ومواقع تبادلها، مثل حال جهاز الموسيقى «آي بود» iPod. ويتبنى «آي باد» المتغيّرات الضخمة التي حدثت في المحتوى، خصوصاً الإهتمام الهائل بالكتاب (وبمجمل القراءة) الذي اشّرت إليه مبادرات مثل «مكتبة غوغل» Google Library التي تحتوي مئات ملايين الكتب، و «المكتبة العالمية» التي تشرف عليها «مكتبة الكونغرس» ومنظمة «اليونسكو» وغيرهما. ويتبنى «آي باد» الالعاب الالكترونية، وهي من المحتوى الفائق الأهمية، وميل الجمهور النهم للأشرطة القصيرة، كما ظهر في رواج «يوتيوب»، إضافة الى تحوّل أفلام الشاشة الصغيرة الى صناعة ترفيه قوية. لقد جُمعت تلك الأبعاد كلها في جهاز واحد، لا ينسى أهمية الاتصالات الخليوية، وصولاً الى الجيل الثالث وتقنياته، واللاسلكية مثل «واي فاي» التي باتت «نقاطها الساخنة» منتشرة وتعمل كمنصات لاتصال الجمهور مع الانترنت. وباختصار، يبدو كجهاز صُنع من الأسفل الى الاعلى، بالمعنى الحرفي للكلمة. وبديهي القول انه أشّر إلى اتجاه جديد في الصناعة الرقمية، بمعنى التشديد على صنع أجهزة تستجيب لما يتطلبه الجمهور، خصوصاً الشباب، من التقنية وليس العكس، على نحو ما تفعله شركات التكنولوجيا الرقمية والاتصالات لحد الآن. ويبدو الكتاب الإلكتروني وكأنه يحقّق صورة المكتبة المحمولة التي ترافق صاحبها، وتُيسر له حمل مراجعه وكتبه ومجلاته ومدوّناته. هل يعني ذلك أنه ابتُكر ليلبي حاجة شديدة الشراهة للقراءة، بحيث لا ترتوي إلا بحمل آلاف الكتب على مدار الساعة؟ ألا يتردد على بعض الألسنة أن الكومبيوتر والانترنت صرفا الناس عن القراءة، فكيف يمكن النظر الى ظهور الكتاب الإلكتروني كمكتبة رقمية متحركة وملازمة لمقتنيها؟ هل يعني ذلك بطلان النقاش عن الصراع بين الورقي والرقمي، بمعنى تلاقيهما في الكتاب الإلكتروني؟ تذكير عن الشاشة الرابعة في استرجاع سريع، تمكن ملاحظة أن العام الحالي افتتح على التنافس الطاحن بين الخليويات الذكية، خصوصاً هواتف «آي فون 3» (من شركة «آبل») و «زيون» (مايكروسوفت) و «نكسوس وان» (غوغل). إنه مجرد مثال آخر على الصعود المتواصل للخليوي، الذي كرسه العقد الأول من القرن ال 21 بوصفه «الشاشة الرابعة»، بعد ان راجت الشاشة الثالثة (الكومبيوتر) مع الانتشار الانفجاري للإنترنت في خواتيم القرن الماضي، الذي ولدت فيه الشاشة الثانية (تلفزيون) ونافست السينما (الشاشة الأولى) التي ظهرت في القرن التاسع عشر. وطريّ في الذاكرة ان اسم الشاشة الرابعة، كرّس للخليوي في مؤتمر «الاتحاد الدولي للإتصالات» الذي التأم في مدينة كان الفرنسية 2005. وبعد سنوات قليلة، استضافت باريس في أواخر 2009، الدورة السنوية الثالثة ل «المهرجان الأوروبي للشاشات الأربعة- سينما/ تلفزيون/ شبكة الويب/ الخليوي» European 4 Screens Festival- Cinema/TV/Web/Mobile. والمعلوم أن المهرجان انطلق في العام 2007، بمبادرة من الفرنسي هيرفيه شبالييه، الذي يرأس مؤسسة «كابا» CAPA التلفزيونية المعروفة في فرنسا. يمنح المهرجان جوائزه للأفلام التي تستطيع أن تتأقلم مع أكثر من شاشة. وبحسب كلمات موقع المهرجان، «صار للفيلم أكثر من حياة. قد يولد على الشبكة العنكبوتية، أو في التلفزيون، لكنه يستطيع ان يلد نفسه تكراراً على شاشات مختلفة... إن جائزة هذا المهرجان تقدّر الفيلم الذي يستطيع أن يتخيّل حياته على أكثر من شاشة معاصرة». br / على الأقل، ثمة أربعة خيارات للفرجة، تعطيها شاشات أربع. فأي فيلم ذاك الذي شاهدته الأعين؟ أهو فيلم طويل عُرِض على شاشة كبيرة في قاعة معتمة، كالفرجه السينمائية التقليدية؟ أم أن الفيلم أُرسِل عبر شبكة الانترنت ليشاهد على شاشات الكومبيوتر ا لتي تخزّنه، أو أنه عرض بثاً على شاشة التلفزة، أو أنه نُقِل عبر شبكات الخليوي المتطورة؟ وكذلك تجدر ملاحظة النوع الذي تنتمي إليه المادة الرقمية المرئية- المسموعة: هل انه فيلم خيالي أم وثائقي أم شريط تفاعلي من نوع ال «ميلتي ميديا»، أم لعله فيلم كرتون بتقنية الإحياء بالكومبيوتر؟ يرى المهرجان أنه بات من الضروري الإشارة الى تلك الأشياء راهناً، بدل الإكتفاء بقول من نوع: «شاهدت فيلماً»، كي يصبح الخبر عن المشاهدة له دلالة تتصل بالعصر الذي نعيشه وشاشاته المتعددة.