قبل سنتين، كرّست الأدوات التقنيّة القابلة للارتداء استقلاليتها، وبرزت بوصفها صناعة مستقلة. إذ شهد العام 2014 اهتماماً عالميّاً واسعاً بظهور منتجات كساعة «آبل» ونظارة «غوغل» وسوار مراقبة اللياقة البدنيّة «فت بت» Fitbit، إضافة إلى قرابة عشرين أداة رقميّة قابلة للارتداء! ما الذي يجمع تلك الأردية التي كانت تشبه الخيال قبل سنوات ليست كثيرة تماماً؟ إنّه الاتصال مع الإنترنت، خصوصاً الاتصال المباشر والمستمر مع... الشبكات الاجتماعيّة! لم يفت الشركات الصانعة لتلك الأدوات كلها، أن تضع ميزة الاتصال مع الشبكات الاجتماعيّة في مقدّمة ميزات تلك الأجهزة كلها، سواء كان الاتصال بهدف ممارسة ما يفعله الناس على تلك الشبكات أو لوضع المعلومات التي تجمعها تلك الأدوات. بقول آخر، وُصِفَت تلك السنة بأنها عام دخول شبكات التواصل الاجتماعي إلى ملابس الناس وأرديتها وحليّها وأدوات زينتها، وكل ما يرتديه الجسد الإنساني. ومع الأخذ في الاعتبار ان تلك الشبكات تقدّم أيضاً الاتصال الصوتي (بل المرئي - المسموع أيضاً) الذي يقدمه الخليوي، أصبح معنى «الاتصال» مندمجاً في شكل واسع مع الشبكات الاجتماعيّة أيضاً. ومن غير تكلّف زائد، من المستطاع أيضاً القول إن الأدوات التقنيّة القابلة للارتداء هي أيضاً أدوات اتصال، ما يحفظ الخط الذي يربطها مع بداياتها في «معرض برشلونة 2005». فشل البدائل قبيل اندماجها مع «واتس آب»، كانت شبكة «فايسبوك» مهدّدة بموجات هجران متواصلة من الشباب في الغرب. في فرنسا، وصل الأمر ببعض الشباب إلى صنع شبكات «بديلة» عن «فايسبوك». بمعنى آخر، أن التوسّع، عبر اندماج «واتس آب» و «فايسبوك»، أنقذ مصائر كثيرة في شبكات التواصل الاجتماعي. في المقابل، إذا كان التوسّع في الخدمات والأمدية والوسائط هي الحل، فمن يضمن ألاّ تصبح شبكات الميديا الاجتماعيّة مجرّد جزء من شيء ما يأتي من اشتعال الذكاء في دماغ فرد ما؟ ماذا عن الاتصال عبر مجسّمات إلكترونيّة متحرّكة على طريقة ال «هولوغرام» Hologram الذي يقدّم الرؤية الثلاثية الأبعاد والتفاعل المتقدّم؟ ماذا لو كان ال «هولوغرام» هو النقلة المقبلة في الأجهزة والخدمات؟ ماذا عن تفاعل تقنية ال «هولوغرام» مع التقنية القابلة للارتداء، والإعلام المرئي - المسموع وفنون السينما والمسرح، بل حتى الصحف والكتب؟ في عام 2015، صعدت ظواهر كبرى في المعلوماتية، لم تستطع شبكات الميديا الاجتماعيّة لحد الآن، التفاعل معها بطرق فعّالة ومؤثّرة. تشمل تلك الظواهر دخول الإنترنت عصر «البيانات الكبيرة» («بيغ داتا» Big Data) التي يشير خبراء كثيرون إلى أنها التأسيس فعليّاًَ لما يسمى «انترنت الأشياء» Internet of Things، بمعنى أن تكون الأشياء كلها موضوعة في هيئة ملفات رقميّة على الإنترنت. إذا اصبحت السيّارات روبوتية، تتولى انترنت الأشياء توجيه السيارات كافة، وضبط حركة السير على المستويات المختلفة، وذلك أفق لم يلامس لحد الآن شبكات الميديا الاجتماعيّة. في المقابل، تبدو شبكة «فايسبوك» كأنها تعود إلى تاريخ قديم عبر إحياء «غرف الدردشة» عبر صفحات «فايسبوك». ما زال من المبكر الحكم على تلك التجربة، لكنها تؤشّر إلى اتساع الأمدية التي تفلت من الشبكات الاجتماعيّة، وهي تظهر حين تحاول تلك الشبكات التقاطها، على غرار النقاشات الجماعية غير المفتوحة على الجمهور ولا على جدران الصفحات الاجتماعيّة. إنها عودة إلى ماضٍ لم يندثر كليّاً، وتعطي انطباعاً قويّاً بوجود ارتباك في مسار شبكات الميديا الاجتماعيّة. إذا جرى النظر إلى الأمور من تلك الزوايا، يصبح من المستطاع رؤية توسّع تقني مستمر «يبتلع» الشبكات، فتكون مجرد مكوّن فيه، من دون أن تقدر على قيادته ولا تسيّد المسارات فيه.