في سياق تأملاته للميديا الرقمية، يرى المفكر الفرنسي المعاصر دومينيك والتون أن التقنيات الإلكترونية للتواصل وتبادل المعلومات، ساهمت في ظهور نوع من سياحة بديلة ترتبط بعلاقات أكثر متانة، مع يقظة الوعي بالبيئة. إذ يوجد حاضراً قرابة بليون ونصف بليون شخص يمارسون السياحة سنوياً، مع انعدام التوازن بين حصتي دول الشمال والجنوب، لكن العدد مرشح للتضاؤل. ويشدّد على أهمية السفر، حيث يجري اللقاء مع الآخر بصورة مباشرة، مشيراً إلى أن الميديا الرقمية تؤدي دورها قبل السفر وبعده. وبالترافق مع ذلك، يبقى التنقل السياحي محدوداً في الوقت. ويعتقد أن محاولة الربط بين الميديا الرقمية وبين السياحة والبيئة والتنمية المستدامة، أمر جيد، مُشدّداً على عدم كفاية الإعلام الجديد وتدفّق السيّاح في تحقيق عولمة ثقافية سلمية. ويقود ذلك إلى ما طرحه والتون في كتابه «الإنترنت وما بعده»، بصدد التماسك الاجتماعي للمجموعات، إذ اعتبر أنه يمثل أحد أكبر التحديات في القرن ال 21، خصوصاً أن العولمة تنذر بنهاية الجماعات. ويبدي والتون قلقه من عشوائية المجتمعات المحلية، إضافة الى خطر تضاؤل الرابط الجمعي بين أفرادها. ويعتبر أن الانعتاق يتطلب تقدّماً ضخماً، لكنه يحمل حرية تقود الى وحدة الفرد. وتشكل الميديا الرقمية محاولة ناجحة لردم هذه الوحدة المضنية وجودياً، حتى مع بقاء الفرد وحيداً أمام الشاشة. ويرى أن هذه الحرية الفردية ومعاناتها، تتصل مع انبعاث الجماعات، كما يظهر جلياً في نجاح مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، مثل «فايسبوك». في الاتجاه المعاكس، تتحدى الميديا الرقمية وتقنياتها الهويات الجماعية بقوة. ماذا يعني أن تكون فرنسياً، ألمانياً، جاوياً (نسبة إلى جزيرة جاوة) أو يابانياً، لأفراد الإنترنت؟ ويرى والتون أن الميديا الرقمية تعزّز انحلال الهويات الوطنية المتصلة بالشعور بالانتماء إلى دولة-أمة، لمصلحة مشاعر الانتماء إلى مجاميع وجماعات. ويعتقد بوجوب صوغ رابط جمعي يوفّق بين منطق الفرد والجماعة التي ترتبط ببعضها بعضاً عبر الميديا الرقمية. ويشدّد على أن هذا التوفيق كان من تحديات الإعلام العام التقليدي أيضاً، الذي طالما هجس بالسؤال عن التوازن بين الرابط الاجتماعي والاختلافات المتنوّعة للأفراد والمجموعات. ويشير إلى أن الميديا الرقمية تعمل وفق منطق السعي إلى وضع أفراد متشابهين في جماعات متناسقة، ما يفرض تحديات جمّة. ويشدّد والتون على إشكالية معرفية أساسية تظهر في الميديا الرقمية، كما في الإعلام التقليدي، تتركز على الجمع بين التوق الى الاتصال، مع ما يحمله من مشاركة وإغواء وإقناع، وبين عدم القدرة على فهم الآخر والتواصل معه. ويجتمع هذان النقيضان في مساحة الاتصال، خصوصاً مع الميديا الرقمية التي تتيح كثيراً من المفاوضات بين الأفراد، لكن سرعتها وتفاعليتها تزيد من حدّة التناقض عينه أيضاً. ويشدّد على أن الاتصال كان يعني التبليغ هرمياً من الأعلى إلى الأسفل. ومع الميديا الرقمية، بات الاتصال علاقة بين كائنات حرة ومتساوية، وأيضاً مع خلافات أكثر عدداً وأكثر بروزاً، ما يتناقض مع الحلم الدائم بسهولة الاتصال بالآخر. ويطرح والتون، في مجمل أعماله، سؤالاً سياسياً عن الميديا الرقمية، يتركز حول مساهمتها في التوصّل إلى تعايش سلمي حين تكون الخلافات على هذا القدر من البروز. ويبيّن أنه لم يعد من المستطاع التفكير بالتقنيات والعلوم والمدرسة والمجتمعات والاقتصاد، من دون إدخال إشكالية الاتصال. ويؤكد أهمية التركيز على استعمال الميديا الرقمية لتعلّم التعايش مع الآخر، ما يخفض إمكان المواجهة والعنف. وأخيراً، يبرز في تفكير والتون التشديد على المفارقة بين السرعة والأداء العالي للتبادل التقني في الميديا الرقمية من جهة، وبطء التواصل بين البشر من جهة ثانية، معتبراً أن هذا البطء، مع ما يتضمنه من تأمل وتفاوض وتفاعل متبادل، هو أفضل ما يخدم السلام بين الشعوب.