استهلّت شركة «نيتفليكس» العام الجديد، بإعلانها المُهم والمفاجئ إطلاق خدمتها لتزويد المواد الفنيّة عبر الإنترنت مقابل اشتراك شهري في معظم دول العالم (الصين أبرز الدول التي بقيت خارج نطاق خدمة الشركة). وهي التي كانت تستعد في العامين الماضين بخطوات بطيئة ومحسوبة، لكل دولة على حدة. هكذا أصبحت «نيتفليكس» في متناول الجميع تقريباً، فهل ستغيّر الشركة من عادات المشاهدة في الدول التي تصل إليها، أم أن الإعلان الجديد هو ضربة إعلامية تستهدف في الأساس الأسواق والمستهلكين الغربيين، الذين أصبح في إمكانهم مُواصلة التمتع بالخدمة في أيّ مكان يحلّون فيه؟ ولعل ما يؤكد القيمة الترويجية لإعلان «نيتفليكس» الأخير، عدم خوضه في مشاكل حساسة في كثير من البلدان التي تصل إليها الخدمة اليوم، وتحديداً الرقابة على المصنفات الفنيّة في مناطق مثل الشرق العربي. ففي غياب اتفاقات وقوانين رقابة دولية تتخصص في المحتوى الفنيّ المتداول على الإنترنت، تكون «نيتفليكس» وغيرها من الشركات التي تقدم خدمات مشابهة هشّة كثيراً، فهي ستخضع لمزاج الرقيب العربي، والذي من الصعب في مكان تخمين هواه. في الوقت الذي يكون من الهين تقنياً حجب الموقع الإلكتروني الخاص بالشركة، كما يحصل مع آلاف المواقع الأجنبية على الشبكة العنكبوتية، التي تحجب سنوياً بسبب محتواها. فهل أعدت «نيتفليكس»، وهي التي تقارب قضايا شائكة اجتماعياً في أعمالها الحصرية أو تلك التي تشتري حقوق عرضها، خططاً خاصة لرقابات الدول العديدة التي انضمت الى الخدمة؟ والى جانب قضية الرقابات، يتوقع أن تواجه «نيتفليكس» في المنطقة العربية معوقات جديّة، بعضها تقني مثل سرعة الإنترنت المحدودة في شكل عام في المنطقة. فالخدمة تتطلب سرعة إنترنت عالية نسبياً لمشاهدة الخدمة العادية منها، وسرعة كبيرة لمشاهدة شق خدمة المشاهدة الفائقة الجودة (HD). هناك دول عربية تتفوق على أخرى بخدماتها الإلكترونية، لكن إجمالاً ما زالت المنطقة العربية تعاني بطء الإنترنت. وهو أمر لم يغب بالتأكيد عن بال «نيتفليكس»، فهذه الأخيرة عقدت العام الماضي (2015)، اتفاقات مكلفة ومُعقدة مع شركات تجهيز الإنتريت في الولاياتالمتحدة، حتى تضمن أن البيانات الخاصة بخدمتها تصل الى المستهلك بلا أي مشاكل، لتفي الوعد الذي قطعته ببث تدفقي مثالي. كما سيشكل التحدي الاقتصادي عاملاً معرقلاً حقيقياً ل «نيتفليكس» في السوق العربية، التي اعتادت على مجانية الترفيه التلفزيوني الذي توفره دائماً قنوات عربية أرضية وفضائية. فالنموذج الاقتصادي للشركة الأميركية يتطلب تغييراً في عادات استلام المواد الترفيهية، وهو الأمر الذي سعت إليه بلا نجاحات تذكر مجموعة القنوات العربية المشفرة وقنوات الرياضة المتخصصة التي تشترط مبالغ شهرية على ما توفره من خدمات، لتبقى هذه القنوات هامشية كثيراً في المشهد الإعلامي العربي، إضافة الى تعرّضها للقرصنة المنظمة. كما أن إعلان شركة «نيتفليكس» الأخير لم يفصح عن آليات دفع مبتكرة تناسب السوق العربية، وهو الأمر الذي يعني أنها ستحافظ على نظامها باشتراط الدفع من طريق البطاقات الائتمانية، الأمر الذي سيزيد من تهميش الخدمة في دول معينة، من الكثافات السكانية العالية ذاتها، لكنها ما زالت في مجملها بعيدة من التعامل المصرفي من طريق الإنترنت. ولأن «نيتفليكس» تقدم ترفيهاً أميركياً، مع بعض الأعمال السينمائية الأوروبية، وبعض الأفلام العربية الفنيّة، فهذا سيحد أيضاً من حجم جمهورها في المنطقة العربية، علاوة على أن هذا الجمهور ربما قد وجد طريقه أصلاً الى الأعمال التي تقدمها «نيتفليكس»، من طريق مواقع القرصنة، والتي تشكل في الشرق الأوسط الوجه الآخر للحال الاقتصادية. والقرصنة هي إحدى مشكلات «نيتفليكس» في الدول الغربية نفسها. ذلك أن أعمالها الفنيّة الحصرية تُقرصن على نطاق واسع اليوم، لتشكل التهديد الأكبر للنموذج الاقتصادي الذي تقدمه. لا تبدو فرص «نيتفليكس» كبيرة في النجاح الجماهيري الواسع أو في إحداث تغيير جوهري للسوق الترفيهية العربية. لكنها يُمكن أن تجد جمهوراً محدوداً متحرراً من كل المشاكل السالفة ولا يفضّل القرصنة الإلكترونية - بل يفضّل أن يدفع المبلغ الشهري الخاص بالاشتراك في الخدمة (عشرة دولارات أميركية تقريباً) في مقابل ترفيه متنوع من أفلام ومسلسلات، الى جانب الأعمال الحصرية لشركة «نيتفليكس»، والأخيرة تتحول تدريجياً الى عامل الجذب الأساسي في هذه الخدمة الإلكترونية.