أسهم الصالون الثقافي في الجناح السعودي بمعرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي اختتم فعالياته أخيراً، بأنشطة عدة تنوعت وتحدث فيها نخبة من الأسماء البارزة في السعودية، ولاقت اهتماماً من زوار المعرض. وتضمن الجناح مشاركات لعدد من المؤسسات الأكاديمية والثقافية، ومعرض «صفحات من تاريخ الفيصل» و«ركن «الطفل» و«الصالون الثقافي» و«الإصدارات الورقية والإلكترونية» و«برنامج حضور الغياب» و«طاقات المستقبل» وركن «التوقيعات» و«هدية خادم الحرمين الشريفين من المصحف الشريف». واستوحى الجناح هويته المعمارية من «الأصالة الإسلامية»، التي طبعت تصميمه الذي اعتمد على اللغة البصرية والجمالية، في تأكيد أهمية الأصالة والاعتدال وتمازج القيم الإسلامية والثقافية، وتعزيز التعايش الثقافي والتسامح والحوار بين دول العالم. من فعاليات الصالون الثقافي أمسيات شعرية ومسرحية، إضافة إلى ندوة عربية واسعة شارك فيها مفكرون عرب، حول اختيار مجلة فوربس خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، من أكثر الشخصيات تأثيراً في العالم. وناقشت الندوة دوره ورؤيته حيال الكثير من قضايا العالم. ونظم الجناح أيضاً ندوة «خالد الفيصل.. شخصية العام الثقافية بين الفكر والإدارة»، في مناسبة اختيار معرض الشارقة له شخصية ثقافية. وكذلك ندوة «الأصالة والاعتدال»، و«فلسفة الولاء بين الفكر والتطبيق.. المصطلح والمضمون»، إضافة إلى أمسية شعرية «إلى روح الشهداء» وندوة «الرواية النسائية السعودية.. الحكاية وبنائية النص»، وبرنامج «في حضور الغياب» الذي يشكل لمسة وفاء وفتحاً على الذاكرة الثقافية السعودية باستعادة رموز كانوا رواداً في مساراتهم، وندوة «المسرح المدرسي ودوره في ثقافة الطفل» وأخرى بعنوان: «أسرتك أمنك.. دور الأسرة في نبذ العنف والإرهاب». ونفذ الصالون الثقافي برنامج «طاقة المستقبل»، الذي استضاف مبدعين شباباً من الطلبة المبتعثين في الإمارات؛ لمناقشة إبداعاتهم. كما نظم الصالون ندوة سعودية إماراتية بشعار: «اتحاد ينبض في ذاتي. سعودي إماراتي» أكدت ما يشهده البلدان المملكة والإمارات من حراك ثقافي مبشر بنهضة ثقافية شاملة، وحرص قيادتيهما الرشيدتين على أن تكون هذه الثقافة، معبراً لإشاعة قيم الإسلام النبيلة المرتكزة على التسامح والتعاون. ولم يكن الجناح السعودي هو فقط الفاعل والمتفاعل مع معرض الشارقة، إنما أيضاً أدباء سعوديون، أسهموا في تفعيل نشاطات المعرض، ومن هؤلاء الدكتور سعد البازعي، الذي تحدث عن الرواية في ندوة بعنوان: «الرواية: سيدة الأجناس الأدبية»، مشيراً إلى أن جولة واحدة في ثنايا معرض الشارقة الدولي للكتاب، «كفيلة بأن تثبت أن الرواية هي المتصدرة لقائمة الفنون الأدبية»، مستدركاً أن انتشار نوع معين من الفنون الأدبية، لا يمكن أن يعني أنه بات «السيد»، موضحا أن ذلك يبقى محصوراً في عملية التذوق. وتطرق البازعي إلى الشعر، قائلاً إنه «يعد من أكثر الأنواع الأدبية قرباً من النفس البشرية، لدرجة يكاد يكون فيها شخصياً، ومعظم الكتاب يبدأون به، بينما الرواية تختلف في ذلك، فهي بمنزلة الكتابة للآخرين وعن الآخرين». وأضاف: «أعتقد بأن الإجابة عن هذا السؤال ستظل مرهوناً باختلاف المنطقة التي نتحدث عنها، إذ تتلون الأجناس الأدبية باختلاف الثقافات». ولفت البازعي، في المحاضرة التي شهدت تعليقات كثيرة، إلى أن مهمة الشعر في الدرجة الأولى، هي جعل المألوف مدهشاً، بينما الرواية تختلف في ذلك، طارحاً في هذا السياق سؤالاً حول ما تعنيه الرواية للمجتمع والكاتب، «في المجتمعات الغربية وحتى تلك التي تعيش حال عدم استقرار، فالرواية تبقى مهمة جداً، إذ يعتبرها الكثير منفذاً لكسر التابوهات، ولذلك نجد أن الناس يُقبلون عليها أكثر من الأجناس الأدبية الأخرى». في المعرض نفسه، أثارت الناقدة السعودية الدكتورة ميساء الخواجة، موجة من التساؤلات، في محاضرتها التي قدمتها في الجناح السعودي، عن الرواية النسائية في السعودية والإمارات. ومما قالته إن الروائيات الخليجيات تعاملن مع الكتابة باعتبارها فعل كينونة ووجود، ومن ثم مساءلة لكثير من المفاهيم والقيم التي تحكم المجتمع وتعين وجودها فيه. وتطرقت الدكتورة ميساء الخواجة إلى الرواية النسائية السعودية، التي ظهرت في عام 2005 مع رواية «بنات الرياض» النابعة من متغيرات ثقافية واجتماعية، مشيرة إلى ظاهرة العمل الواحد عند عدد ممن كتبن الرواية في السعودية، ورأت أن بعض الكتاب يبدع عملاً، ثم يشعر بعده أنه غير قادر على تجاوزه فنياً أو قرائياً . إلى ذلك حقق معرض الشارقة الدولي للكتاب، مبيعات قدرها 135 مليون درهم (37 مليون دولار أميركي)، وزاره 1.227 مليون زائر. وكان حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، أكد في حفلة الافتتاح أن من أخطر ما يمر على الثقافة العربية، هو أخذ بعضهم إياها تحزباً من خلال مزج الأفكار السياسية الموجهة بالثقافة النقية الصافية، وإدخال أفكار ظلامية ممزوجة بمغالطات فكرية ودينية لأغراض حزبية. وقدم القاسمي مكرمة بقيمة 4 ملايين درهم، لدعم شراء كتب من دور النشر المشاركة في الدورة ال34 من المعرض؛ إسهاماً منه في دعم صناعة الكتاب والاستثمار في التنمية الفكرية والبشرية للأفراد. وقال رئيس هيئة الكتاب مدير معرض الشارقة للكتاب، إن معرض الشارقة يعتبر «مهرجاناً ثقافياً وفنياً شاملاً، فهو يحتضن كل أفراد المجتمع، إضافة إلى المؤسسات الحكومية والخاصة، والمفكرين، والمثقفين، والشعراء، والمبدعين في ألوان الإبداع كافة، كما أنه محطة لقاء بين الجميع لتبادل المعارف والأفكار والتجارب والخبرات، والتفاعل والتواصل»، مضيفاً أن المعرض لا يتحدث «لسان الشارقة فقط، «بل بلسان الإمارات والعروبة والإسلام، وهو رسالة من حاكم الشارقة الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، إلى العالم أجمع، في ظل سعي دائم؛ من أجل إثراء التواصل الحضاري بين ثقافات العالم، وإحداث تأثير فاعل ومستمر في الاهتمام بالكتاب، وجعل القراءة عادة يهتم بها أفراد الأسرة كافة، للنهوض بواقعهم، وتنمية مهاراتهم، وفهم الماضي لمعايشة الحاضر والاستعداد للمستقبل». وأوضح رئيس هيئة الشارقة للكتاب أن الثقافة هي العدو اللدود للفكر الظلامي، وأن الانفتاح على الآخر يعزز الحوار، بينما يؤدي الانغلاق إلى عدم مقدرة أصحاب هذا المشروع على الاستمرار في الحياة، مشيراً إلى أن المعرض يُسهم في نشر لغة الحوار والانفتاح على الآخر، والتواصل معه ثقافياً وحضارياً. وشهد اليوم الأخير للمعرض توقيع مذكرة تعاون بين هيئة الشارقة للكتاب واتحاد كتّاب وأدباء الإمارات؛ للوصول بالكُتّاب والمؤلفين الإماراتيين إلى العالمية، وترجمة أعمالهم إلى لغات أخرى، ونشر الثقافة الإماراتية في مختلف دول العالم. وشاركت في المعرض 1547 دار نشر من 64 دولة عربية وأجنبية، عرضت مجتمعة أكثر من 1.5 مليون عنوان، وهو العدد الأكبر من عناوين الكتب المعروضة أمام الجمهور على مدى تاريخ المعرض. وتميّز المعرض هذا العام بمشاركة عدد كبير من الشخصيات الثقافية والفنية والإعلامية والفكرية والرسمية والأكاديمية، من مختلف دول العالم التي أثرت أجواء المعرض وحققت له المزيد من الشهرة والنجاح، وشارك معظمها في البرنامج الفكري للمعرض وفي الفعاليات الأخرى المصاحبة. وأشاد هؤلاء الضيوف، بالمستوى الريادي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، ودوره الفاعل في الحياة الثقافية المحلية والعربية والإقليمية، وأعربوا عن إعجابهم بمستوى الإقبال الجماهيري عليه، والاهتمام الإعلامي الكبير، وأكدوا رغبتهم في المشاركة في دوراته المقبلة؛ كي يكونوا جزءاً من هذا المشروع الثقافي والفكري الأكثر نجاحاً في المنطقة. وحفل البرنامج الثقافي لمعرض الشارقة الدولي للكتاب بالندوات والمحاضرات والأمسيات، التي شاركت فيها نخبة من الكتّاب والمثقفين والمفكرين القادمين من مختلف دول العالم، وناقشوا مواضيع أدبية وثقافية متنوعة على مدار 11 يوماً، كما نظم المقهى الثقافي ثلاث أمسيات يومية، وتنوعت مضامينها بين قراءات في كتب، وقضايا أدبية وفنية وتاريخية وإعلامية ودينية، إضافة إلى شؤون الترجمة، وأدب الطفل، واللغة العربية، والتوعية الاجتماعية، وتطوير الذات. وشهد المعرض إقامة أكثر من 1000 فعالية متنوعة، منها 33 فعالية في «المقهى الثقافي»، بواقع 3 ثلاث ندوات يومية، وتنوعت عناوين الندوات بين قراءات في كتب، وقضايا أدبية وثقافية، نقاشات حوارية، مع التركيز على مواضيع عدة، مثل الإعلام، والترجمة، والتاريخ، واللغة العربية، وشارك فيها أكثر من 50 من المتحدثين الإماراتيين والعرب المقيمين في دولة الإمارات. وتضمن البرنامج الفكري للمعرض تنوعاً في المواضيع والعناوين التي ناقشها مختصون وأكاديميون وباحثون، وروائيون وكتاب وشعراء وإعلاميون ومفكرون عرب وأجانب، وقد أسهمت نقاشاتهم في إثراء لغة الحوار وتعزيز رسالة المعرض الثقافية. وللسنة الثانية على التوالي يستضيف معرض الشارقة الدولي للكتاب، مؤتمراً مشتركاً بين المعرض وجمعية المكتبات الأميركية، الذي يقام للمرة الأولى خارج الولاياتالمتحدة، وشهدت فعاليات المؤتمر على أرض معرض الشارقة الدولي للكتاب ال34، نقاش قضايا عدة تخص المكتبات وفهرستها، وكيفية الاستفادة من التكنولوجيا في الفهرسة، كما تضمنت الندوات والمحاضرات عرضاً لتجارب مهمة في هذا الشأن، ونقاشات عدة حول عملية تحول المكتبات إلى منصات رقمية.