يمزج ديوان «بوح الحنايا» للشاعر الكويتي حيدر مرداس الهزاع بين البساطة والعمق، والشفافية والمتانة. ويجمع مواضيع في الغزل والهجر والمديح والوطنية والمناجاة، في إهاب واحد. ولئن بدت غالبية قصائد الديوان تميل إلى القصر، نسبياً، فإن وراءها ما يظهر للقارئ من مسعى إلى أن يحيط الشاعر بأمور كثيرة، وفي أقل عدد من الصفحات. في قصائد الغزل لا يتعالى الشاعر على حبيبة وعشقه، ويتماهى معه حتى في جفائه وصده، ولا يجد حرجاً في أن يتوسله عودة الوصال. «جيتك أتوسل بعد كل/ ها العشرة... بعد كل ها الحب والحنين/ جيتك أتوسل». مخاطباً إياه أن يتذكر تلك الأيام الخوالي، التي كان الحب فيها يشهد ذروته، وفي أبهى حالاته. يرجوه أن يذكر اللوعة والأسى والأنين، لكن هذا الحبيب يبدو أنه لا يرق لحاله، متأبياً في بعده و نأيه عنه. «دخيلك مدخلك بالله اذكر لوعات الأسى/ والأنين». وحين يعرف أن الحبيب الذي يخاطبه، لم يعد هو الخل الذي عرفه يوماً، إذ أصبح بالنسبة له ليس سوى غريب، يعترف عندها بصعوبة أن يبقى حبيباً «مشيتك غريبه/ نظراتك مريبه/عديت غلطاتك/حاسب نفسي... عرفت/ من الصعب أنك تكوني/ لي حبيبة». ويتحول الحب والوله في قصيدة «مالك أمان» إلى لا مبالاة، إلى حال يستوي فيها كل شيء، إذ لم تبقَ هنالك أهمية حتى للحياة نفسها، بعد الجراح والخيانة، التي بدت ممعنة في تماديها. «كل شيء عندي سيان/ وش بعد جرحتني/... وخنتني... وهذا أنا/ بقايا إنسان ما هي غريبة/ عليك أنا أعرفك/من زمان كذاب/ خوان. مالك أمان...». يعكس الديوان ثقافة واسعة وعلاقات متشعبة بشعراء وكتاب وفنانين وموسيقيين وسياسيين، فمن أمل دنقل إلى عبدالله البردوني مرورا بعمر أبو ريشة ومحمد الفايز وصلاح جاهين وفاروق شوشه وطلال مداح وسراج عمر وطاهر زمخشري والهادي آدم إلى محمد العبدالله وعبدالله الفيصل وعبدالله الطيب. عرف الشاعر حيدر الهزاع شعراء كباراً وأمراء شعراء ورؤساء وشيوخاً. تغادر مخيلة الشاعر إلى زمن الطفولة، متقصياً أحوال العشق وبداياته، التي وسمتها الخيبة وأعاقتها العثرات، «يوم أهي طفلة وأنا طفل صغير/ حظنا والنصيب العاثر جمعنا/ وقامت الدنيا علينا تستدير/ وانجبرنا للتقاليد وخضعنا/ أشرقي يا شمس انشف يا غدير/وأحرقي كل البذور اللي زرعنا». يوظف الشاعر كل ما يمكن أن تمر به حياة العاشق، من تفاصيل وأحداث، تمثل مفصلاً، وتؤشر إلى تغير باتجاه معرفة الآخر الحبيب، وتقصي أحواله، وبالتالي تحديد موقف منه. في قصيدة «بعض الأحداث»، يعبر الشاعر عن امتنانه لأنها وقعت، وكشفت له ما ظل يتوارى عنه، بسبب هالة العشق، «الله يجازي بعض الأحداث بالخير/ منها عرفنا المخطية والمصيبة/ بان الصديق وبان من صحبته غير/ بين صدق الصديق واظهر حريبه/ وين الصديق اللي نعزه بتقدير/ اللي زمان فات ويا صحيبه/ اليوم صد وغاب وارسل معاذير/ سمعت منه علوم جتني غريبه/ كتمتها بالصدر من غير تحذير/ قلت السنين المقبلة لي تجيبه/ عند يقين الحادثة لزم تصير/ أحاسب المخطئ وأنا أصبح طلبيه». يتعجب الشاعر من طلب السماح، الذي يتقدم به الحبيب، وكأنه لم يسعَ إلى تجاهله والنيل منه بالهجران. «وجاي تقول السماح/ بكل سهولة/ ولا كأن شيء كان/ أنا في الأول والآخر/إنسان.../ كل شيء يهون يا حبيبي/ إلا الجراح.../وش أقول للعيون.../إللي سهرت للأماني اللي/ ماتت والدموع والأغاني/ وش أقول علمني أنا مستحيل». لا يعبر شعر حيدر الهزاع عن لوعة العشاق، مصوراً أحوالهم وحنينهم إلى علاقة سوية، تنهض على ندية في الحب، وتساوٍ في الغرام، إنما يذهب أيضاً إلى الوطن فيتغزل به، يتوقف أيضاً عند شخصيات مرموقة، كان لها دور فاعل في رسم صورة مضيئة للوطن وللإنسانية. ووفقاً إلى كل ذلك فديوان «بوح الحنايا» هو مدونة لجملة من المواضيع الوجدانية والوطنية والإنسانية، صاغها الشاعر في لغة بسيطة وسهلة، يمكن التواصل معها، أياً كانت الخلفية التي يأتي منها القارئ.