ما ميّز الموقف من نجاح باراك أوباما هو الأمل في إنهاء «الحرب على الإرهاب» التي أعلنها جورج بوش الابن منذ عام 2001 بعد الحادي عشر من ايلول «سبتمبر». وخصوصاً أن كل التحليلات كانت تنطلق من أن الحرب في العراق أفضت إلى «هزيمة منكرة»، وأن الوضع في أفغانستان يزداد سوءاً. ثم كانت الأزمة المالية التي عصفت بالاقتصاد الأميركي، وتفاقم العجز في الميزان التجاري والمديونية مما يفرض تقليص موازنات الحرب. كل ذلك كان يؤسس لتصور ينطلق من أن نجاح باراك أوباما أتى في سياق «القرار» الذي يقتضي التخلي عن «الحرب على الإرهاب» وتسوية كل المشاكل العالمية بالتوافق مع الأطراف الأخرى. وعلى رغم أن سياسة أوباما التي أعلنها خلال حملته الانتخابية كانت تقرر الانسحاب من العراق، فقد كانت كذلك تقرر توسيع الحرب في أفغانستان من خلال زيادة عديد القوات هناك، وبالتالي زيادة الموازنة الحربية.على رغم ذلك، تبلور التصور بأن «الحرب على الإرهاب» قد أصبحت من الماضي، وأن أميركا تنسحب من حروبها، مهزومة أو مضطرة. لكن الأمور على الأرض كانت تشير إلى مسار آخر. فمع أن «الإفاقة من هذا الأمل» ارتبطت بحادث محاولة تفجير الطائرة، وربط منفذها بتنظيم القاعدة في اليمن، وبالتالي توسيع الحرب ضد هذا التنظيم هناك. ثم أيضاً الظهور المفاجئ لأسامة بن لادن يعلن بأن التنظيم هو الذي حاول تفجير الطائرة. على رغم ذلك فإن متابعة الوضع منذ استلام أوباما الرئاسة توضح التالي: 1) لقد جرى تشديد الضغط على الحكومة الباكستانية من أجل تطوير الحرب على طالبان باكستان انطلاقاً من أن تنظيم القاعدة يتخذ المناطق التي تسيطر عليها مرتكزاً له. وأنها كذلك تدعم وتشارك في الحرب التي تخوضها طالبان أفغانستان ضد الاحتلال الأميركي. وبهذا فُتحت حرب قاسية في باكستان تشارك فيها القوات الأميركية عبر الهجمات الجوية وينفذها الجيش الباكستاني على الأرض. وبالتالي توسعت الحرب هناك بدل أن تتراجع. 2) إن الإدارة الأميركية قامت بتوسيع وجودها العسكري في أميركا اللاتينية، وخصوصاً في كولومبيا، حيث أصبح لها سبع قواعد عسكرية. وهي هنا ربما تحضر لحرب وتدخلات ضد فنزويلا وبعض دول أميركا اللاتينية التي يسيطر عليها اليسار (بوليفيا والإكوادور والأورغواي...)، وهو ما لاحظناه في الانقلاب العسكري في هندوراس. 3) وعلى رغم استمرار الحرب في الصومال، والتي أفضت إلى «القرصنة» ضد السفن، والتي أدت إلى التواجد البحري الأميركي، ثم الأطلسي، فإن الإدارة الأميركية دفعت الحكومة اليمنية إلى خوض الحرب ضد تنظيم القاعدة (هذا قبل حادث الطائرة وربطها باليمن)، رغم أن هذه الحكومة تخوض حرباً ضد الحوثيين (وهي الحرب التي هدفها إظهار «التدخل الإيراني»)، وضد الحراك الجنوبي الذي يعبّر عن الإفقار والتهميش والتخليف الذي فرضته حكومة الشمال على الجنوب بعد الوحدة. إذن، فإن «الحرب على الإرهاب» كانت تتوسع بعيد استلام أوباما الرئاسة ولم تكن تتراجع، لهذا زيد عديد القوات في أفغانستان وكولومبيا والمحيط الهندي، رغم أنه لم يتراجع في العراق. كما زيدت موازنة الحرب بدل أن تتقلص. ولقد أتى حادث الطائرة وحالة الرعب التي تلته، والكشف عن «ارتباط» الفاعل بتنظيم القاعدة في اليمن، و «الخروج المهيب» لصوت بن لادن يعلن استمرار الحرب على أميركا «إلى أن يتحقق الأمن في فلسطين»، لكي يطلق العنان من جديد ل «الحرب على الإرهاب». لقد نجح أوباما في لحظة لم تكن هذه الحرب قد اكتملت، حيث أن مراجعة التصورات حولها كما طرحت بعد الحادي عشر من ايلول تظهر بأن «الهدف التالي» لم يصل إلى نهايته. وأن هناك بلداناً يجب أن تدمر وأن تحتل، وأن انتشار القوات الأميركية عبر العالم لم تصل إلى مداها المرسوم. لقد كانت باكستان من الأهداف المحددة، فكونها «دولة نووية» (وتبين أن علماءها باعوا الأسرار النووية لأكثر من بلد «مارق»، وربما من سوء القدر بأنها فعلت ذلك وهي «دولة إسلامية»، والحرب على الإرهاب مخصصة أو مرسومة تحت شعار يوحي بالإسلام)، كان يضعها ضمن الدول المستهدفة. وها هي تُدفع إلى الفوضى والتفكك، حيث ستكون هناك «ضرورة» في لحظة لتدخل أميركي يضع اليد على المنشآت النووية وعلى القنبلة النووية. ولا شك في أن تصريحات غيتس وزير الحرب بأن بإمكان القوى الأصولية أن تشعل الحرب بين الهند وباكستان، تؤشر إلى ميل لتوسيع الضغوط على باكستان عبر إغراقها في حروب متعددة تقود حتماً إلى الفوضى والتفكك. وكولومبيا كانت واردة في إستراتيجية «المحافظين الجدد»، وربما كان توسع المد اليساري في أميركا اللاتينية يفرض البدء ب «الهجوم المعاكس»، كما لاحظنا في الهندوراس. لكن اليمن وضعت ضمن «الدول الفاشلة» التي يجب التدخل فيها منذئذ، من أجل السيطرة على مدخل البحر الأحمر وتوسيع السيطرة على المحيط الهند، لكن أيضاً من أجل توسيع الفوضى والتفكك في كل الجزيرة العربية. وربما كانت الإدارة الأميركية «الجديدة» تعمل على تعزيز سيطرتها على هذه المنطقة في سياق استمرار توسيع الحصار على إيران كذلك، والتحضير لمعالجة ملفها، حيث يجب أن تصبح إيران جزءاً من المنظومة الأميركية للسيطرة على «الشرق الأوسط الموسع» (هذا المصطلح الذي بات في النسيان على رغم استمرار تنفيذ السياسات المتعلقة به). بالتالي فإن «الحرب على الإرهاب» التي رُسمت زمن بوش الابن تستمر كما هي، مع الحديث عن «الهزيمة في العراق»، وعن الأزمة المالية التي تفرض خفض تكاليف الحروب من أجل إنقاذ اقتصاد أميركا. لكن يبدو أنه قد جرى تناسي السبب الذي فرض على الولاياتالمتحدة أن تبدأ سياسة السيطرة على العالم عبر الحرب، والتي تتعلق بأنها سعت لحل أزماتها الاقتصادية: الأزمة الاقتصادية العامة التي تنعكس على الدولة (العجز في الموازنة وفي الميزان التجاري والمديونية المرتفعة)، وأزمة الشركات الصناعية والزراعية نتيجة التنافس العالمي الذي كان يميل لغير مصلحتها ويفرض تراجعها وإفلاسها، كما يفرض العجز في الميزان التجاري. وبالتالي أن الحرب هي الوسيلة الوحيدة لتشغيل الاقتصاد (الصناعة خصوصاً) والنهب من البلدان التي يجري احتلالها أو التي يجري ابتزازها، وكذلك ابتزاز حتى الشركات الأوروبية واليابانية في إطار التنافس العالمي. المحافظون الجدد لا زالوا في البيت الأبيض على الرغم من «لون البشرة». فلون البشرة لا يغير من طعم السياسة. * كاتب سوري