أظنكم رأيتم كما رأينا ذلك الأب الذي كان يصور أطفاله وهم في حالة من السكر بعد أن شربوا بالخطأ زجاجات الثلاجة أثناء غياب أبويهم في أحد الفنادق خارج المملكة ، كان يصور ثمالتهم بشيء من التشفي والانبساط رغم أن إهماله لهما وتركهما وحيدين هو السبب ، ومع ذلك كان يلاحقهم بالتصوير ويضحك عليهم ، ولم يكتف بهذا بل قام بنشر التصوير بكل برود ولسان حاله كأنه يقول هاكم اضحكوا يا من تشاهدون أيضاً على أطفالي ، ورأينا آخر يصور أخيه الصغير المتغيب عن مدرسته في مقهى إنترنت ويشهر به بالصوت والصورة وهو يضحك عليه ، ورأينا أخرى تصور أطفالها وهم يجلدون من أخيها (خالهم) وهي تضحك ، ثم نشرت الفيديو لتضحك أيضاً عليهم العالم ، وهكذا ، مقاطع تمطرنا بها مواقع التفسخ الاجتماعي بين الحين والآخر ، العامل المشترك بينها أن المصور هو الأب أو الأم أو الأخ ، والضحية هو الطفل ، والغاية من التصوير هو الشهرة والانتشار وهوس زيادة عدد المتابعين ، وذلك بإضحاك الناس وتسليتهم على حساب الأطفال وهفواتهم الصغيرة . انتهاك لخصوصية الطفل وبراءته ، وتعد على كرامته بالإهانات والضرب ، ثم التشهير والفضح المتعمد ، ومن من ؟ من أقرب الأقربين ، أمر مفجع ومريب !! ولا أظن أحداً ممن لم يشاهد تلك الوسائط سيصدقني ، لكن للأسف هذا ما شهدناه في عصرنا الحاضر ، وكأن مروءات البعض وإنسانيته وقبل ذلك أبوته وأمومتها أصابتها لعنة نسفتها من جذورها !! لقد حورتنا مواقع التواصل لكآئنات لاهثة خلف تصفيق المتابعين ، أجهزة الجوال يسمونها ذكية ، لكنها في أيدي بعضنا غدت غبية بامتياز لشدة ما ينشر عبرها من الغباء والحماقة ، فالأب الذي كنا نراه سقف بيته دوماً ، لأنه هو من يحميه ويحمي خصوصياته وأسراره ، ينقلب في ثورة التواصل والاتصال إلي ثقب كبير تتسلل منه زلات أطفاله البريئة ، والأم التي عهدناها حضن بيتها والمستودع الآمن لأخطاء كل من فيه مهما كانت مريعة ، تغدو اليوم بوابة مفتوحة المصراعين على ما لا ينبغي أن يراه الناس ، حتى الأخ الذي كنا ولا زلنا نسميه العزوة ، هو الآخر يجر ضحكات الشامتين من خلال جواله على إخوانه الصغار ، لماذا كل هذا الانحراف المجتمعي ؟ ولماذا يكون ضحيته دائماً الطفل ؟ هل لأنه الطرف الأضعف في الأسرة ؟ أم لأنه لا يثق بأحد في الدنيا غير والديه وإخوته فكان لزاماً عليه ألا يصدق حتى هذه الثقة بعد اليوم ؟ يا معشر الآباء.. ما من طفل إلا وسيكبر ، فلا تجعلوا أطفالكم يكبرون في مجتمع لديه ذاكرة سيئة عن فلذات أكبادكم ، صوروهم واستمتعوا ببراءتهم لكن فيما لا يضرهم فيما بعد ، ولا يكون سبباً في السخرية منهم مستقبلاً ، كل صورة أو مقطع تنشرونه عن أطفالكم بهدف إضحاك الناس وتسليتهم يعد سلاحاً مؤجلاً ضدهم يوما ما ، فاتقوا الله في أطفالكم ، ولا تقحموهم في هوسكم بالشهرة والانتشار ، وإذا أردتم أن تعالجوا أخطاءهم فعالجوها بالطريقة التى تودون أن يعالج الناس بها أخطاءكم ، بالنصح والمحبة والكتمان ، وتذكروا .. الأطفال ليسوا دمى من البلاستيك بلا مشاعر أو أحاسيس ، إنهم بشر مثلكم ، يؤلمهم التشهير مثلكم تماماً. @ad_alshihri [email protected]