"المواصفات السعودية" تنظم غدًا المؤتمر الوطني التاسع للجودة    "تلال" تختتم مشاركتها في "سيتي سكيب الرياض" بتوقيع اتفاقيات إستراتيجية لتعزيز جودة الحياة في مشاريعها    وزير الرياضة يشهد ختام منافسات الجولة النهائية للجياد العربية (GCAT)    "الأرصاد"سماء صحو إلى غائمة على جازان وعسير والباحة ومكة والمدينة    المكسيكي «زوردو» يوحّد ألقاب الملاكمة للوزن الثقيل المتوسط لWBO وWBA    اليوم..بدء الفصل الدراسي الثاني    «الطاقة»: السعودية تؤكد دعمها لمستقبل «المستدامة»    نفاد تذاكر مواجهة إندونيسيا والسعودية    منتخب هولندا يهزم المجر برباعية ويلحق بالمتأهلين لدور الثمانية في دوري أمم أوروبا    شمال غزة يستقبل القوافل الإغاثية السعودية    اللجنة المشتركة تشيد بتقدم «فيلا الحجر» والشراكة مع جامعة «بانتيون سوربون»    اليوم بدء الفصل الدراسي الثاني.. على الطريق 3 إجازات    20,124 مخالفاً في 7 أيام وإحالة 13,354 إلى بعثاتهم الدبلوماسية    «إعلان جدة» لمقاومة الميكروبات: ترجمة الإرادة الدولية إلى خطوات قابلة للتنفيذ    5 فوائد صحية للزنجبيل    اختلاف التقييم في الأنظمة التعليمية    مهرجان الزهور أيقونة الجمال والبيئة في قلب القصيم    المتشدقون المتفيهقون    الإستشراق والنص الشرعي    بيني وبين زوجي قاب قوسين أو أدنى    أهم باب للسعادة والتوفيق    الفرصة المؤكدة و مغامرة الريادة في كفتي ميزان    أغرب القوانين اليابانية    «مزحة برزحة».. هل تورط ترمب ب«إيلون ماسك» ؟    البيان المشترك الصادر عن الاجتماع الثاني للجنة الوزارية السعودية- الفرنسية بشأن العُلا    14% نموا في أعداد الحاويات الصادرة بالموانئ    أمن واستقرار المنطقة مرهون بإقامة دولة فلسطينية مستقلة    اكتشاف تاريخ البراكين على القمر    «واتساب»يتيح حفظ مسودات الرسائل    عروض ترفيهية    محافظ محايل يتفقد المستشفى العام بالمحافظة    شارك في الطاولة المستديرة بباكو..الجاسر: 16 مليار دولار تمويلات البنك الإسلامي للمناخ والأمن الغذائي    مشاركة مميزة في "سيتي سكيب".. "المربع الجديد".. تحقيق الجودة ومفهوم "المدن الذكية"    إطلاق النسخة الرابعة من «تحدي الإلقاء للأطفال»    السخرية    المؤتمر العالمي الثالث للموهبة.. عقول مبدعة بلا حدود    وزير الدفاع ونظيره البريطاني يستعرضان الشراكة الإستراتيجية    أشبال الأخضر يجتازون الكويت في البطولة العربية الثانية    ضمن منافسات الجولة ال11.. طرح تذاكر مباراة النصر والقادسية "دورياً"    منتخبنا فوق الجميع    الابتسام يتغلّب على النصر ويتصدّر دوري ممتاز الطائرة    دخول مكة المكرمة محطة الوحدة الكبرى    رحلة قراءة خاصة براعي غنم 2/2    الحكمة السعودية الصينية تحول الصراع إلى سلام    حكم بسجن فتوح لاعب الزمالك عاما واحدا في قضية القتل الخطأ    ابنتي التي غيّبها الموت..    ألوان الأرصفة ودلالاتها    وطنٌ ينهمر فينا    المرتزق ليس له محل من الإعراب    خطيب المسجد الحرام: احذروا أن تقع ألسنتكم في القيل والقال    أمير تبوك يطمئن على صحة الضيوفي    ختام مسابقة القرآن والسنة في غانا    المؤتمر الوزاري لمقاومة مضادات الميكروبات يتعهد بتحقيق أهدافه    الزفير يكشف سرطان الرئة    أمير الباحة يكلف " العضيلة" محافظاً لمحافظة الحجرة    تركيا.. طبيب «مزيف» يحول سيارة متنقلة ل«بوتوكس وفيلر» !    مركز عتود في الدرب يستعد لاستقبال زوار موسم جازان الشتوي    عبدالله بن بندر يبحث الاهتمامات المشتركة مع وزير الدفاع البريطاني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السد الذي بلغت تكلفته 26 مليون ريال من العقوم الترابية وليس الخرسانة
نشر في البلاد يوم 08 - 02 - 2009

نشرت البلاد يوم الاربعاء 2 صفر 1430ه - 28 يناير 2009م موضوعاً للدكتور علي عدنان عشقي استاذ علم البيئة في جامعة الملك عبدالعزيز حلول مشكلة البيئة في جدة وننشر اليوم معلومات غاية في الاهمية من واقع ما يجرى في معالجة بحيرة الصرف وغيرها والهدر المالي الحاصل والكثير من الآراء التي وجد د. عشقي انها جديرة بالكشف من منطلق وطني.
قبل أن أتواصل فيما ذكرته في الأسبوع الماضي على صفحات هذه الجريدة الغراء بتاريخ يوم الأربعاء الموافق 2-3-1430 ه تحت عنوان بحيرة المسك ومشاريع الأمانة أود أن أنوه لنقطتين هامتين الأولى أن السد الاحترازي الذي كلف تشييده حوالي 26 مليون ريال ليس سدا خراسانيا بل هو سد من العقوم الترابية المدكوكة وأنا أشكر سعادة الدكتور سليمان السليماني على هذه المعلومة!! ولا أنكر أنني طول الفترة السابقة كنت على اعتقاد راسخ أن السد خراسانيا وقد قامت شركة بن لادن ببنائه . ومازالت الحقيقة مشوشة وغير واضحة!! وفي كل الأحوال الرجوع إلى الحق فضيلة. النقطة الثانية التي أريد أن أوضحها هي تكلفة مشروع الغابة الشرقية بمرحلتيه الأولى والثانية والذي تبلغ مساحته الإجمالية حوالي 11.5مليون متر مربع «إحدى عشرة ونصف مليون متر مربع», فقد ذكرت في الأسبوع الماضي أن تكلفته هي 350 مليون ريال اقتطعت من ميزانية حمى الضنك! التكلفة الفعلية أختلف في تقديرها الكثير فالبعض ذكر أنها 350 مليون ريال في حين أن البعض الآخر ذكر أن التكلفة لا تتجاوز ما قيمته 100 مليون ريال, وكم أتمنى من الأمانة أن تحيطنا علما بقيمة التكلفة الحقيقة. أما جميع الأرقام الأخرى التي ذكرتها في مقالي السابق والحالي التي تمثل قيم المشاريع الأخرى فهي أرقام موثقة صادرة عن أمانة مدينة جده نفسها.
وعودة للتواصل عما ذكرته في الأسبوع الماضي ففد ذكرت فيما ذكرت أن أمانة مدينة جدة وضعت مجموعة من الحلول لتفادي انهيار السد الاحترازي الترابي أو الخراساني لبحيرة المسك الذي كما أشيع أن انهياره سيعرض مدينة جده لفيضانات مدمرة من مياه الصرف الصحي, وهذه الحلول صنفتها الأمانة إلى ثلاث فئات, أُطلق عليه اسم الحلول قصيرة الأجل والحلول متوسطة الأجل والحلول طويلة الأجل وتناولت في ذلك المقال مناقشة بعض بنود الحلول طويلة الأجل كما تطرقت إلى مناقشة بعض بنود الحلول قصيرة الأجل, وأوضحت أن هناك عاملاً مشتركاً واحداً يجمع بين بنود هذه الفئات الثلاثة وهو مردودها المدمر على النظم البيئية لمدينة جدة والمناطق المحيطة بها وعلى ما يعيش فيهما من أكباد رطبة.
الحلول متوسطة الأجل: الحلول متوسطة الأجل كما ذكرت في الأسبوع الماضي تتكون من ثلاثة مشاريع القيمة الإجمالية لتنفيذها بلغت بالتمام والكمال 95 مليون ريال, تحدثت بشيء من التفصيل عن المشروع الأول من هذه الحلول, والذي أطلق عليه اسم مشروع المناطق الرطبة Wet Land والذي بلغت تكلفته حوالي 25 مليون ريال, أما المشروع الثاني من الحلول متوسطة الأجل قيمته الإجمالية 34.936.565 ريال « حوالي 35 مليون ريال» وهو عبارة عن حط ناقل بطول 32 كيلومتر وقطر 600 ملم وطاقته 30.000 متر مكعب في اليوم وهذا الخط مخصص لنقل ما حجمه مليونا متر مكعب من مياه الصرف الصحي المعالجة كما يدعون والقابعة خلف السد الاحترازي إلى البحر, وفي حوار دار بيني وبين أحد مسئولي الأمانة خلال اجتماعاتنا في المجلس البلدي الموقر عن خلفية هذا المشرع علمت منه أن الهدف الأساسي من هذا المشروع هو ضخ المياه القابعة خلف هذا السد أي السد الاحترازي والبالغ حجمها حوالي مليوني متر مكعب إلى البحر عبر هذا الأنبوب و المذكور مواصفاته أعلاه, و سألت هذا المسئول عن الفلسفة والهدف تصريف ما مقداره 2 مليون متر مكعب من مياه الصرف الصحي الملوثة وغير المعالجة إلى سواحل البحر؟ فأجابني أن هذه المياه ستعالج فقلت له كيف وأين ستعالج؟ فقال لي أنها ستضخ إلى محطة المعالجة المتواجدة في أعلى وادي العسلا في بحيرة المسك حيث تعالج هناك !!, ثم تعود هذه المياه بعد معالجتها مره أخرى إلى موقعها الأول خلف السد الاحترازي!! فقلت له تُضخ ماء الصرف الصحي إلى أعلى وادي العسلا حيث موقع محطة المعالجة بمسافة تزيد عل 10 كيلو مترات وارتفاع أكثر من 20 متراً حيث تعالجها هناك ثم تعاد مرة أخرى إلى أسفل الوادي!! ثم يتم ضخها بعد ذلك عبر أنبوب إلى مجرى السيل الجنوبي ومنها إلى البحر !! هل هذا يعقل يا ناس!! محطة المعالجة التي يتحدث عنها هذا المسئول محطة هيكلية لا يمكن أن يعول عليها في معالجة هذا الكم من المياه!! ومن لا يصدقني ليذهب بنفسه ليتأكد من ذلك؟ بعد ذلك عاد وأخبرني هذا المسئول أن المياه القابعة خلف السد قد تم بالفعل معالجتها وأنها نقلت إلى خلف السد الاحترازي بعد معالجتها في محطة المعالجة المذكورة أعلاه عبر انسيابها أسفل الوادي!! فهل هذه اللفة الطويلة كان مخطط لها؟ وبمعنى آخر هل إثارة الخوف والهلع عن مما أشيع عن انهيار السد الاحترازي كان مخطط له؟ و هل هذا الكم من المياه قادر على إغراق مدينة جدة كما أشيع؟ ألم يكن لدي الأمانة المقدرة على تصريف هذا الماء المعالج معالجة ثلاثية كما يدعون في الأودية بدلا من إثارة الخوف والهلع في قلوب الناس؟ أنا لا أعتقد مطلقا أن هناك مؤامرة قد خطط لها لابتزاز نخوة وشهامة حكومتنا! ولكن على إيمان تام وكامل أن ما جرى ويجري في بحيرة المسك وفي جميع مناطق جدة سواء في منطقة الخمرة أو منطقة الكورنيش الشمالي ما هو إلا جهل بيئيي عميق أسود كسواد الليل معشش في عقولنا نتائجه واضحة في المشاريع الارتجالية التي تنفذها أمانة مدينة جدة ومصلحة المياه والصرف الصحي على أيدي شركات أبعد ما تكون عن علم البيئة!! جل همها فقط الكسب المالي يساعدها في ذلك ضعاف النفوس في أمانة مدينة جده ومصلحة المياه والصرف الصحي!! وأنا في هذا الصدد لي عتاب على الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة, فمثل هذه المشاريع الإستراتيجية الخطيرة يجب أن لا يعطى لها الضوء الأخضر إلا بموافقة من الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة, بناءً على دراسة تقويم بيئي Environmental Assessment علمية ودقيقة ترتكز على ضمائرنا والخوف من الله!! تقوم بمثل هذه الدراسات جهات علمية متخصصة وأنا لا أقصد جهات وطنية فهذا العلم رغم أهميته الحيوية لم تطرح مناهجه بعد في أي من معاهدنا وجامعاتنا السعودية!!, وتعلم الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة أن في جميع دول العالم المتقدمة منها والنامية مؤسسات بيئية علمية حكومية وخاصة عادة ما يناط إليها القيام بمثل هذه الدراسات مثل وكالة حماية البيئة الأمريكية Environmental protection agency , فلن تقوم لأي مشروع قائمة بدون هذه الدراسة, وجميع الشركات باختلاف تخصصاتها وأطيافها في دول العالم المختلفة لا تستطيع تنفيذ أي مشروع حتى لو كان مشروعا سكنياً دون الأخذ في الاعتبار القوانين والشروط البيئية الصادرة عن هذه المؤسسات. فأين الشركات المنفذة لمشاريع الأمانة من هذه القوانين ؟ يا ناس متى نعي؟ ومتى نفيق؟ فالأمر أصبح يمثل تحديا خطيرة على حياتنا وحياة أطفالنا!!
دفعني الفضول وثقتي في نزاهة وشفافية ومصداقية أمانة مدينة جده في تحليل هذه المياه القابعة خلف السد والتي تدعي الأمانة أنها مياه معالجة معالجة ثلاثية وقد قمت بنفسي بتحليل عينات من هذه المياه فوجدت أنها مياه صرف صحي ملوثة وغير معالجة! ونتائج التحليل موجودة على سطح مكتبي ولن أبخل على من أراد نسخها منها وأعود وأكرر مرة أخرى أنني لا أشكك في مصداقية وشفافية و أمانة مدينة جدة.
هذا المشروع أي المشروع الثاني من الحلول متوسطة الأجل تتجلى فيه صور إهدار المال العام في أبهى وأجل صورها. فتخيل أخي القارئ أن الدولة تدفع من حر المال العام ما مقداره تقريبا 35 مليون ريال « بالتحديد 34.936.565 ريال « في مد خط من الأنابيب ليؤدي وظيفة مؤقتة لا تزيد فترتها عن أربعة أشهر !! وبعد ذلك يهجر أو كما قال لي أحد الأخوان يُرمى في الزبالة» فهل هذا يعقل يا أمانة مدينة جدة ؟ أم أن هناك أهداف غير معلنة عن هذا المشروع ؟ كجعله خط دائم في تصريف مياه الصرف الصحي إلى البحر الأحمر ؟ تلك والله ستكون مصيبة أخرى ولكن حسبي الله ونعم الوكيل!!, هذه أمانة مدينة جده وهكذا يفكر مسئوليها فعلينا وعلى مدينة جدة السلام!!
المشروع الثالث من الحلول متوسطة الأجل: تكلفة هذا المشروع 35 مليون ريال بالتمام والكمال, وهو عبارة عن خط ناقل لمياه الصرف الصحي من بحيرة المسك إلى طريق الحرمين الشريفين, بخط طول حوالي 23 كيلو متراً « بالتحديد 23.2 كيلو متر» وقطر 600 ملم واستيعاب ثلاثين ألف متر مكعب في اليوم الواحد وهم يدعون أن ما سينقله هذا الأنبوب من المياه ستكون مياهاً معالجة!! و هذا كلام عار من الصحة, فأين ستعالج هذه المياه؟ هل ستعالج في محطة هيكلية قد عفى عليها الزمن!! حسبي الله!! مياه ملوثة بهذا الكم بقذف بها بالقرب من القرى والمزارع لنشر مزيدا من الأوبئة!! الانعكاسات السلبية لهذا المشروع ستكون مدمرة ليس فقط على البيئة بل على كل كائن حي يعيش في هذه البيئية فملوثات هذه المياه ستسري في الشبكة الغذائية كما تسري النار في الهشيم, فالحيوانات العاشبة أي الحيوانات آكلة العشب سواء كانت أليفة مثل الحيوانات الداجنة أو حيوانات غير أليفة, ستروي عطشها من هذه المياه كما أنها ستتغذي على الأعشاب التي سُقيت بهذه المياه الملوثة, وكما يعلم ويعرف الجميع أن هذه المياه تحتوي على مئات الأنواع من الملوثات منها العناصر الثقيلة مثل الرصاص والكادميوم والزئبق.. وجميعها عناصر مسرطنة , أضف إلى ذلك مركبات الهيدروكربونات و المبيدات الحشرية لا تقل خطورته عن العناصر الثقيلة, وجميع هذه السموم تتراكم في أنسجة هذه الحيوانات الدجنة ومنها إلى طريق موائدنا!! ناهيك عن الأوبئة التي تنشرها هذه المياه الملوثة والتي منها وباء الكبد الوبائي A وفيروسات النزلات المعوية التي أصبحت من الأمراض الشائعة في مدينة جدة! أضف إلى ذلك الفشل الكلوي ألذي ارتفعت معدلاته بشكل ملموس في مدينة جدة وقد أوضحت لنا الكثير من الأبحاث العلمية أن هناك علاقة وثيقة بين تلوث مياه الصرف الصحي وداء الفشل الكلوي!, فهل تدركين يا أمانة جدة حجم هذا الخطر!! فكم من الأبرياء من أهل جدة قضوا بسبب حمى الضنك!! هل تتحملون وزر هؤلاء! وكم عدد من قضوا من الكبد الوبائي!! وهل تتحملون وزر هؤلاء!! وكم هم من قضوا من وباء الفشل الكلوي!! وكم .. وكم.. وكم كلف الدولة علاج الأحياء منهم!! يا ناس اتقوا الله فينا!! التلوث يا أمانة مدينة جدة يسري بين الناس كما تسرى النار في الهشيم, وأنا أرى أنه أخطر من الإرهاب!! فالإرهاب أمر محدد المعالم وواضح نستطيع التعامل معه والقضاء عليه وهذا ما تم على أيدي رجال الأمن البواسل, ولكن التلوث غير مرئي خفي, يضع على رأسه طاقية الإخفاء فمن منا يدعي قدرته على رؤية الفيروسات والبكتيريا التي لا تستطيع أعتى المجاهر الضوئية من رؤيتها وتحديد معالمها!!, لذا ليس من السهل قتله أو قهره, ولكن من الممكن الحد من انتشاره, ولن يتم لنا ذلك إلا إذا كان العلم لنا ركابا, والأعمال الارتجالية التي تنتهجونها و مازلتم تنتهجونها هي من أكثر العوامل مساعدة على تفاقم مشاكل التلوث, فهل انتم منتهون! أم مازلتم تصرون على العبث البيئي الذي تقومون به!! حسبي الله ونعم الوكيل!! الوقاية يا أمانة مدينة جدة خيرا من العلاج.
المستنقعات المنتشر قي العديد من مناطق جدة والمناطق المحيطة بها ظلت وستظل مرتكزا للطيور المهاجرة التي تحمل في أرجلها أسلحة لا تقل ضروراتها عن أسلحة الدمار الشامل, وأقصد بذل يرقات وبيوض الحشرات الناقلة للأوبئة التي عادة ما تكون ملتصقة على أرجل هذه الطيور التي وجدت وتظل تجد مرتعا خصبا لها في مستنقعات مياه الصرف الصحي, وعن طريق هذه الطيور المهاجرة دخلت إلى نظمنا البيئية أنواع مختلفة من الحشرات لم نكن نعرفها مثل البعوضة Aedes aegypti الحاملة لفيروسات حمى الضنك وفي الحقيقة هناك الكثير فيما يقال عن هذه الحشرات الدخيلة على نظمنا البيئية والتي كانت السبب وراء انتشار الكثير من الأوبئة مثل طاعون المواشي الذي فتك ومازال يفتك بمئات المواشي, ناهيك عن البعوض الناقل لحمي الوادي المتصدع وحمى الضنك وما خفي كان أعظم المتهم الأول المتسبب في انتشار هذه الأنواع الحشرية الدخيلة على نظمنا البيئية مستنقعات مياه الصرف الصحي!! وسيكون لنا لقاء إنشاء الله في تصنيف وتفنيد الحشرات الدخيلة على نظمنا البيئية سواء كان عن طريق الطيور المهاجرة أو عن طريق استيراد المواشي والنباتات!!
الحلول لمشاكل مياه الصرف الصحي: أرجو أن لا يعتقد أحد من القراء الكرام أن ما سأذكره من حلول هي من اختراعي, هذه الحلول هي حصيلة أبحاث علمية مضنية دارت رحاها في جميع دول العالم منذ أكثر من نصف قرن, كل دولة أخذت منها ما يتلاءم مع معطياتها وظروفها البيئية, وهي طريقة معالجة طبيعية تعتمد على القوانين والنواميس الطبيعية التي خلقها الله, ويطلق عليها اسم :معالجة مياه الصرف الصحي بطريقة التفاعل الحيوي waste” stabilization pond” واختصارها WSP وتتمثل هذه الطريقة في العلاقة التكافلية الفريدة التي خلقها الله بين الطحالب وبين البكتيريا ذاتية التغذية Heterotrophic Bacteria, محرك خطواتها أو وقودها هو ضوء الشمس الذي يعتبر أساس العملية الضوئية Photosynthesis التي تقوم فيها الطحالب بتخليق وصنع المادة العضوية من ضوء الشمس, حرارة الجو من العوامل الرئيسية المهمة في تسريع هذه العمليات الحيوية, أحد نواتج عملية التمثيل الضوئي غاز الأكسجين الذي تستخدمه البكتيريا في أكسدة المواد العضوية وتحليلها ̧ هذه التفاعلات الحيوية غاية في التعقيد ولا يسعفني المقال في تفصيلها,ولكني سأضرب لكم مثالا يوضح لكم هذه الصورة, فكم هي مخلوقات اله التي تنتشر في البحار والمحيطات؟ لا شك أن أعدادها تفوق أعداد البشر على كوكبنا الأزرق مئات المرات بل ألوف المرات ولا أكون مبالغا إذا قلت ملايين المرات !! ولا ينكر أحداً أن لهذه المخلوقات فضلات مثلنا تماماً!! فلماذا لم تتحول هذه البحار والمحيطات لبحيرة مسك !! السبب يعود إلى العلاقة التكافلية التي خلقها الله سبحانه وتعالى بين الطحالب والبكتيريا, ولولا هذه العلاقة لما قامت حياة في البحار والمحيطات, بل لما قامت حياة على سطح الكرة الأرضية برمتها, فسبحانك ربي لا إله إلا أنت, وفي أنفسهم أفلا ينظرون!! وطريقة المعالجة التي أنادي بها تعمل بنفس المبدأ.
وقد طالبت منذ أكثر من 10 سنوات مصلحة المياه والصرف الصحي تبني هذه الطريقة كخيارنا الأول في معالجة مياه الصرف الصحي ليس فقط في مدينة جدة بل في جميع قرى ومدن المملكة العربية السعودية, وذلك تلاؤمها الفريد مع ظروفنا البيئية فسرعة التفاعلات الحيوية فيها تعتمد على عاملين أساسيين هما درجة حرارة الجو وشدة الإضاءة والمملكة العربية السعودية قد ينعدم فيها الغطاء ألسحابي طوال العام أما حرارة الطقس فحدث ولا حرج, أضف إلى ذلك رخص قيمة تصميمها وإنشائها, وتكاد تكون تكلفة صيانتها معدومة إذا ما قورنت بالطرق الكهرو ميكانيكية التي تنتهجها أمانة مدينة جدة, حيث تشغيلها لا يعتمد على أي أجهزة ميكانيكية أو كهربائية, فطاقة تشغيلها تستمدها من ضوء وحرارة الشمس, ومن أهم ما يميز هذه الطريقة قدرتها على معالجة مياه الصرف الصحي معالجة ثلاثية, ومن خصائصها الفريدة أيضا قدرتها على التخلص من جميع أنواع الفيروسات والبكتيريا الممرضة والعناصر المعدنية الثقيلة القاتلة, ومن مميزاتها أيضا عمرها الافتراضي الذي ليس له نهاية, أضف إلى ذلك عدم تأثيرها على مناسيب المياه الجوفية وهناك الكثير فيما يقال في حسنات ومميزات هذه الطريقة في معالجة مياه الصرف الصحي ولكن المقام لا يسمح بالاستطراد.
وتتم هذه الطريقة في ثلاثة أنواع من الأحواض إذا أردنا معالجة مياه الصرف معالجة ثلاثية, وقد يكون عدد الأحواض فقط نوعين إذا أردنا معالجة مياه الصرف الصحي معالجة ثنائية «جميع هذه الأحواض مغلفة بمادة بلاستيكية أو كيمائية تمنع تسرب مياهها إلى جوف الأرض» , فمرونة تطبيق هذه الطريقة هي التي أضفت عليها الصفة العالمية والأحواض التي تستخدم في هذه الطريقة لمعالجة مياه الصرف الصحي تنقسم إلى ثلاث أنواع: النوع الأول يطلق عليه اسم الأحواض غير الهوائية Anaerobic pond وعمقها يتراوح ما بين 3-5 متر وفيه تقوم البكتيريا غير الهوائية Anaerobic bacteriaفي هضم وتحليل المواد العضوية بمعزل عن الهواء. النوع الثاني من الأحواض يطلق عليه اسم الأحواض الاختيارية Facultative Pond وستراوح عمقها ما بين 2-2.5 متر وفيها يتم هضم وتحليل المواد العضوية BOD5 بطريقتين, حيث عملية التحليل غير الهوائي تقوم به البكتيريا غير الهوائية تتم في المناطق العميقة وتحليل هوائي في المناطق السطحية من البحيرة, تقوم به البكتيريا ذاتية التغذية. النوع الثالث من الأحواض يطلق علي اسم أحواض النضوج Maturation pond وفي هذا النوع من الأحواض يتم القضاء على جميع المواد العضوية وما تحتويه من بكتيريا وفيروسات مرضية, الأمر في غاية التعقيد من الناحية العلمية والمقام لا يسمح بمزيد من الاستطراد.
و قد سئلت في المجلس البلدي عن الاستراتيجية التي يجب اتباعها في معالجة الوضع القائم في بحيرة المسك وعن كيفية التخلص من مياه بحيرة المسك وتجفيها في زمن قياسي؟ وكان طرحي في هذا الموضع واضحا أمام لجنة خبراء البيئة في المجلس البلدي وقد لاقى استحسان جميع الحضور تقريبا, الحل كما رأيته لهذه المشكلة يرتكز على محورين أساسيين:
المحور الأول: هو التعامل مباشرة مع مياه الصرف الصحي الموجودة حاليا في بحيرة المسك, فقد دلت الأبحاث التي قمت بها أنا شخصيا أن قيمة BOD5 لمياه هذه البحيرة السطحية التي تقع في منطقة الأكسدة الضوئية لضوء الشمس أي التي لا يزيد عمقها عن 2 متر, تتراوح ما بين 15-20 ملجم-اللتر ونعني بقيمة ال BOD5 كمية تركيز المادة العضوية في هذه المياه السطحية « النسبة الطبيعية لقيم ال BOD5 في مياه الصرف الصحي عادة ما تتراوح ما بين 250-450 ملجم-اللتر « وهذا يعني أن المياه السطحية لهذه البحيرة, لوقوعها في منطقة الأكسدة الضوئية لضوء الشمس قد عولجت طبيعيا معالجة ثنائية , وهنا أمامنا أمرين الأمر الأول أن نكتفي بهذا القدر من المعالجة ونرفع هذه المياه السطحية بمضخات رفع إلى أعلى الوادي ومن ثم نترك هذه المياه لتنساب بواسطة الجاذبية الأرضية إلى أسفل وادي عسفان « أنظر الشكل», وتجفيف البحيرة أي بحيرة المسك سيعتمد على معدل ضخ المياه السطحية لهذه البحيرة وبذلك يمكن تجفيف البحيرة كل البحيرة» 3-5 شهور». الأمر الثاني إذا أردنا معالجة هذه المياه السطحية معالجة ثلاثية فيمكن أن نضيف حوض إضافي من أحواض النضوج تخضع فيه هذه المياه لمزيد من الأكسدة الضوئية لنصل إلى مستوى المعالجة الثلاثية, وأنا لا أري سببا لذلك حيث أن هذه المياه « هذا رأي الخاص» ستعالج المعالجة الثلاثية خلال انسيابها من خلال هذا العمق الشاهق إلى أسفل وادي عسفان.
المحور الثاني: يرتكز على بناء محطة معالجة طبيعية بجميع أنواع أحواضها الثلاثة لاستقبال جميع الصهاريج « الوايتات» القادمة إلى منطقة بحيرة المسك, ويكمن أتصل طاقة المعالجة في هذه المحطة إلى أكثر من 100 ألف متر مكعب, أو حتى إلى أكثر من نصف مليون متر مكعب يوميا, تكلفة مثل هذه المشروع القادر على تجفيف بحيرة المسك في زمن قياسي في محوره الأول, ومعالجة ما يزيد على 100 ألف متر مكعب يوميا من الصهاريج الواردة إلى محطة المسك لا يمثل سوى الجزء اليسير من تكلفة مشاريع الأمانة طويلة الأجل ومتوسطة الأجل وقصيرة الأجل!! ومن مميزات هذا المشروع أنه أبدي الأجل فهل أنتم منتهون يا أيها المسئولون في كل من أمانة مدينة جدة ومصلحة المياه والصرف الصحي؟ الحديث يطول ويطول ويطول والمقام لا يسمح بمزيد من الاستطراد. والله من وراء القصد .
الأستاذ الدكتور علي عدنان عشقي
أستاذ علم البيئة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.