إهداء إلى روح أمي الغالية التي ماتت ودفنت بمدينة الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم نظر نحوها بإشفاق.. وعلى لسانه تساؤلات عدة.. وقلبه يكاد أن يتمزق وهي تُحمل في سيارة الإسعاف وجسمها منهك ولسانها لا ينطق.. وعيناها منطفئتان بعد أن أرهقها (المرض) أعواماً طوال.. همس لنفسه تلقائياً. ** يا الهي.. أهكذا هو الإنسان!! ** أهذه الحياة تعود القهقري؟! من كانت شامخة الطول رافعة الصوت يحسب لها ولأفكارها (الرافضة) لكل شيء غير سوي.. آه.. شيء لا يصدق.. كم فيك يا هذه الدنيا من عجائب.. وكل هذه (الأماني) والآمال تتعثر يميناً وشمالاً.. يداها متقزمتان.. عروق شاحبة ووجه جاف وأرجل نحيلة.. وسائق الإسعاف ومساعده يضع على فمها المبهوت.. أنبوبة هوائية.. استقرت على جزء من أنفها المتورّم.. لا شيء يتحرك سوى سبابتها وكأنها تريد أن تقول شيئاً.. ** يا ترى ماذا تود ان تقول.. - هاه.. انطقي.. قوليها.. وداعاً وإلى لقاء في الفردوس الأعلى.. قوليها وسوف أقول وبصدق عاااال.. آمين.. آمين. (**) مرت على أبنائها وذويها ساعات وأيام.. كلها أمل.. كلها رجاء.. لكن الأماني شيء وواقع الحياة التي يحياها من يمشون على قارعة الطريق وجيوبهم خالية ونفوسهم مبعثرة ونوايا البعض غير سوية.. يا الهي رفقاً.. يا الهي رحمتك التي وسعت كل شيء. فجأة وهو يتأهب للذهاب إلى المستشفى.. أخبر وبصوت مشروخ من أخته (المرافقة) والتي عاشت معها عمراً طويلاً تؤنسها وتواسيها وتتحمل ما لا يتحمله الكثير من البشر جاء الخبر مفزعاً.. إن الوالدة توفت.. الوالدة توفيت. صرخ.. صرخ كل من حوله.. ** ماذا.. غير معقوووول؟ - لا.. لا.. صدق إنها الحقيقة ألم تشاهد وتسمع ** نعم.. نعم.. سمعت وشاهدت.. لكنها الغالية (أمي) - اه.. امي.. كيف تمت؟ وكانت البنت والآخرى والابن.. والحقيقة كلهم يقولون لا.. لا.. مستحيل!! وكانت الأرجل والأيدي تدق الأرض والجدران وفي صدورهم ألم وحزن.. لكنها الحقيقة وكادت أن تمتد يده المتشنجة لنزع ذلك الأنبوب الذي وضعه (المسعف) بهدوء وطمأنينة.. نظر الابن محمود نحو ذلك المسعف البارد الأعصاب وعلى شفتيه شبه ابتسامة وكأنه يقول: هذا عملنا وكم لاقينا مثل هذه الحالة ** لكنها أمي.. أمي.. أمي ي ي يا هذا - أعرف.. أعرف.. فابتعد قليلاً لكي نلف الجثة ** ماذا تعرف إنها (أمي) وأعصابك هادئة وسيارة الإسعاف تمشي على الأسفلت الأسود بهدوء.. .. ومن حولها مجموعة من السيارات المتهادئة والمسرعة وأصحابها يضحكون ويغنون وينظرون إلى ما حولهم - يا ناس أوسعوا الطريق.. الناس للأسف لا يسمعون وكأنهم اعتادوا على هكذا منظر ومشاهد!! ** هل حقاً.. يا خلق. ذبلت الزهرة اليانعة - بل قل ماتت.. ما.. تتت!! ** ماذا.. ما..ذاا؟ - انظر إلى القبور من حولك ومن أمامك ومن خلفك.. أتعرف أحداً منهم. ** القبور متشابهة.. متشابهة.. تراب هنا مكتوم وتراب هنااااك.. متكوم!! - هذه هي الحقيقة التي قد لا يصدقها أحد.. ** لكنها الحقيقة فالزهرة تذبل وتموت.. - أجل.. كل شيء إلى نهاية وزوااااال