في مقال سابق قلت كم حالة انحراف خلقي في العالم استعملت فيها الهواتف الخلوية، تماما كما يحصل ذلك عن طريق التواصل عبر الشبكة العنكبوتية، وهي ظاهرة أخرى لا تقل خطورة عن ظاهرة استعمال الهواتف الخلوية خصوصا وأن بعض هذه المواقع على الشبكة العنكبوتية الحوارات الحميمة فضلا عن ركن البحث عن شركاء الحياة، وركن ربط علاقات الصداقة. وهذه المواقع تنشر أرقام للهواتف الخلوية الشيء الذي يعني أنها تتخذها مطية لتسويق العلاقات التي تعتبر بموجب الثقافة العربية الإسلامية ممنوعة. وكثيرا مايقع الناس العاديون ضحايا آفات ظاهرة استعمال الهواتف الخلوية الاستعمال الذي يحيد عن أهدافه، تستخدم هذه الهواتف في كل أنواع الجرائم بدءا بجرائم الفساد الخلقي وانتهاء بجرائم القتل والسرقة وغير ذلك. فالمجرمون والمجرمات يعتمدون اعتمادا كبيرا على هذه الهواتف التي تصير أدوات إجرامية. وإلى جانب ذلك صارت الهواتف الخلوية وسائل تجسس على الناس. ونظرا للتطور الذي طال الهواتف الخلوية بحيث صارت آلات تصوير، فإنها تستغل من أجل النيل من أعراض الناس، ومن أجل التجسس عليهم، ونشر أحوالهم الشخصية الخاصة عبر مواقع الشبكة العنكبوتية مباشرة نقلا عن الهواتف الخلوية. وكم من المتاعب خلقت عدسات الهواتف الخلوية لكثير من الناس حتى أن بعضها قد يفضي إلى ما لا تحمد عقباه في غياهب السجون أو يفضي إلى الفصل من الوظائف إلى غير ذلك مما يسبب قلقا لدى كثير من الناس الذين يتوجسون من الهواتف الخلوية. ومن الاستعمالات السلبية للهواتف الخلوية أيضا تسجيل اللقطات الخليعة وتداولها بين شرائح من مستعمليها خصوصا الشباب، وهو ما يؤثر على سلوكهم، وقد يكون ذلك سببا مباشرا في انحرافاتهم الأخلاقية. ولم تنج حتى أماكن العبادة من الآثار السلبية للهواتف الخلوية حيث لا تمر صلاة من الصلوات الخمس دون أن تقطع أجراس الهواتف الخلوية على المصلين خشوعهم،خصوصا عندما تتجاوز هذه الأجراس الرنين إلى المقاطع الموسيقية بما فيها الصاخبة والممجوجة، وحتى المخلة بالأخلاق، وهو ما يولد قلقا من نوع خاص لدى المصلين الذين لا يخفون امتعاضهم من الهواتف الخلوية إلى درجة ظهور ملصقات تذكر وتحث رواد المساجد على إغلاق هذه الهواتف الخلوية. وأخيرا يمكن اعتبار ظاهرة استعمال الهواتف الخلوية حدثا هاما في تاريخ البشرية لا يقل عن حدث اكتشاف النار، واكتشاف البخار، واكتشاف الكهرباء، واكتشاف الذرة، وهي اكتشافات نقلت البشرية من فترات تاريخية إلى أخرى، وأثرت التأثير الكبير في مسار حياتهم نفسيا واجتماعيا. فالأسر العربية والإسلامية طرأت عليها تغييرات كبرى بسبب ظاهرة استعمال الهواتف الخلوية، وهو أمر لا يمكن أن ينكر، أو يستخف به، حيث تغيرت منظومة الأخلاق والقيم لديها بسبب ذلك، الشيء الذي أنتج نوعا خاصا من البشر خرج من طور ثقافي إلى آخر تحت ضغط ظاهرة استعمال الهواتف الخلوية التي فاجأت العالم. ولا ننسى الجانب الاقتصادي لانتشار هذه الظاهرة، وهو جانب له علاقة بالجانبين النفسي والاجتماعي، حيث صار الناس يحرمون أنفسهم من الضروريات من أجل الانفاق على الهواتف الخلوية خصوصا الفئات الفقيرة والمحتاجة الشيء الذي يزيد من متاعبهم في الحياة. فهل سيتنبه علماء النفس وعلماء الاجتماع إلى موضوع الآثار السلبية لظاهرة استعمال الهواتف الخلوية أم أنهم سيخضعون هم أنفسهم لضغط هذه الظاهرة، ويتحول مسار علمهم ليوافقها باعتبارها أمرا واقعا وقدرا لا راد له. و هل سيتنبه الناس إلى الآثار السلبية نفسيا واجتماعيا لظاهرة استعمال الهواتف الخلوية أم أنهم سيستسلمون لها، ويضحون بقيمهم وبعلاقاتهم الاجتماعية وعلى وجه الخصوص الأسرية؟.