يمر رمضانٌ بعد رمضان، ويشمل سلوك الناس فيه عادة فئتين: فئة من الناس تتحول عندهم فترة النهار إلى فترة نوم وذلك بعد مواصلة الليلة السابقة مباشرة بمتواصل السهر في الليلة السابقة، وقضائها على مختلف ما يجمع بين انواع وكميات الطعام.. بتواصل تقريباً منذ الافطار؛ وبعد المرور ب"كرنفال" ليلي متمركز حول الكثير والكثير من الافلام والمسلسلات التلفازية، بما فيها البرامج الأدائية الاستعراضية.. بما يشمل "فوازير" رمضان.. التي تولتها عبر السنين الفنانات الاستعراضيات الشهيرات مثل نيللي ولبلبة وشريهان وغيرهن خلال حقبة ما بعد بدء البث التلفازي وخلال العقود الأربعة الماضية. وتتنافس دور السينما ومؤسسات البرامج الترفيهية (والثقافية، ولو من نوعية "كيف تكسب المليون" او غيرها.. في ملء فترة ما بين مدفعَي الافطار ومدفع السحور. بل وتجد أن مُعدّي العديد من البرامج الترفيهية والمسلسلاتية يقومون بالاعلان مبكراً، قبل رمضان بشهور، عن استعداداتهم لبرامج وأفلام ومسلسلات ومسابقات واستعراضات لشهر رمضان! ولا يتحرج أولئك المُعدّون والمخرجون من الاشارة بوضوح الى "موسم" المسلسلات والافلام السنوي في رمضان. وصار التواعد والتوقع متوافقاً بينهم وبين الجمهور المنتظر بفارغ الصبر..و ينعكس ذلك في شعبية عارمة. وفي رمضان، شهر "الصيام والقيام"، تكثر وتتكاثر انواع وكميات الطعام والمشروبات!..و ما يحضّر من المأكولات التي اكتنزت لحماً وطُبِّقَتْ دسماً، ومغرقة في السعرات الحرارية. فنجد أن المؤسسات الخاصة والعامة تتنافس في توريد بواخر وبواخر من المواشي ومختلف انواع الحبوب، وبقية عناصر المأكل والمشرب. يتم التركيز خلال رمضان على الوجبات بوصفات الطبخ المكتظة بالدهون والحلويات، فيأتي –مثلاً- طبقُ "الهريسة" (تنطق في اللهجة الخليجية ب"الهريس") طبقاً يومياً في انحاء الخليج؛ وهو طبق معتمد اساساً على حبوب القمح المطبوخة ممزوجة باللحم المهروس..و خاصة الدسم منه (الضاني)؛ ويؤكل في الخليج مالحاً، بينما في مدن الحجاز يوكل مُحلى برشّ السكر عليه، ورش السمن عليه ايضاًّ! ثم هناك أنواع الكربوهايدرات.. خاصة ما ينتشر بوضوح اكثر في شهر رمضان، مثل الكنافة والمعجنات. فتمضي ليالي رمضان بين الأكل والشرب شبه المتواصل، ومعه الجلوس شبه المتعاطل، والخمول شبه المتواكل. وهناك ما اعتاد عليه معظم منطقة الخليج من تناول (وجبة) "الغَبقَة".. وتكون عادة بعد الافطار بحوالي اربع ساعات او قبل منتصف الليل..بما يسبق السحور. ثم الشرابات المكتنزة للكثير من السكريات والسعرات..مثل ما اضحى مشهوراً باسم شراب التوت (و هي تسمية زور..فيما عدا لونه وطعمه المُصَّنع؛ وصار ذلك الشراب يأتي في اكثر من مسمى، منها ماركة عتيدة تنتج منذ اكثر من قرن-منذ1908م- في بريطانيا). بعد كل هذا وذاك، هل من استغراب إزاء اكتظاط المشافي والمراكز الصحية والعيادات الطبية بأنواع من "المرضى" المشتكين من الآلام المعوية وغيرها!؟ خذ مثلا تفاقم مرض السكري، نتيجة السمنة،الخ عندنا، حتى ان فضيلة المفتي أباح عدم الصيام لمن عرف عنهم معاناتهم من مرض السكري ومضاعفاته..تصل نسبتهم الى (ثلث) سكان البلاد! أفليس من الأفضل أن نحن تَوقّينا ما هو (بإمكاننا) توقينه وتحاشينا مواطن الأذى؟! [email protected] عميد سابق في جامعة البترول