** وجدته ماشياً مكباً على نفسه.. وهو يكلم نفسه ولكن "بصوت عال" وهو يحرك يديه ورجليه وربما يتراقص دون وعي.. وهو - عفا الله عنه - لا يدري أن أحداً يشاهده !!.. ** فاستعذت بالله العلي القدير أن يكون هذا الشخص من الذين اختل توازنه النفسي وقلت لنفسي رجاء أن لا تلوموني عندما لا أجد من أخاطبه. ** ورغم أنني اشاهد الكثير من أصحاب هذه الحالات وأنا أمشي على قارعة الطريق - مرغما لا بطل- واسأل نفسي "" هل سأكون يوماً ما - لا سمح الله - أحاكي مثل هذه الحالات ؟!! ** وذات مساء وأنا خارج للتو بعد صلاة العشاء من الحرم المدني على ساكنه أفضل الصلاة وأزكي التسليم لمحت شاباً يتخطى ال 30 من عمره .. عرفته ذات مساء لدى أحد الأصدقاء .. وجدته آنذاك مُنقبض النفس.. قلت لعل تلك "طبيعته" و للبشر طبائع!! ** اقتربت منه قليلاً وتلاقت عينانا.. فمددت له يدي مُسلماً وعلى شفتي شبه ابتسامة قائلاً: خير ان شاء الله؟!! واردفت : عسى ما هناك ما يقلق.. أراك تمشي مهرولاً وعلى محياك شيء من القهر والغضب .. قائلاً: اعذرني ولا تعتبرني فضولياً فهل من مساعدة ربما برأي .. ربما بفكرة.. فبضاعتي كلام في كلام. ** المذكور سكت بعد أن نظر نحوي بشيء من السخرية وكأنه يقول بضاعتك كلام .. وأنا في حاجة إلى يد ممدودة مملوءة بشيء من المعونة الفعلية.!! ** قال أنا لا أشكو من أحد .. لكنني أشكو من نفسي وعندي عائلة كبيرة أب وأم وأخوات وزوجة وأطفال عددهم 15 وربما السادس عشر والسابع عشر .. فأم الأطفال تنجب حتى التخمة.. ** والراتب كما تفهم لا يسد الرمق!! ** قلت هم يقولون "المتفائلون" أنجبوا من الأطفال الكثير.. يرزقكم الله.. وفضل الله واسع وكثير.. ** وقتها ضحك .. ضحكة مدوية وكاد أن يخنقني بكلتا يديه.. لكنه تمالك قائلاً: ** يا هذا إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة والناس كل الناس "أقصد الفقراء" كل يضع يده على قلبه خوفاً من السقوط مغمي عليه. ** قلت له يا رجل .. الأمل.. التطلع.. الأماني القلبية الوعي الرشيد لكننا نعيش "مهرولين" دون حساب ودون فهم ودون وعي قال: ** نعم نحن نأكل ونلبس ونصرف وننجب دون حساب وتلك هي الكارثة وهي للأسف تصرفات حمقاء فنساؤنا يا هذا مبذرات.. وأولادنا لا يفهمون إلا أن تعطيهم المال..من أين؟.. هذا لا يهم ولا تنسى "الايجارات المنزلية" أكلت الأخضر واليابس.. الكهرباء.. التلفون.. المستشفيات .. يااااه.. هذه كوارث ومصائب ذلك لأن تصرفاتنا في كل شيء لا معقولة ولا مسؤولة !! ** قلت وأنا أكاد أن أبكي هذا الذي جعلك تمشي مكباً على وجهك.. واجدك تحرك يديك ورجليك وتنسى أن الناس من حولك يشاهدون تلك التصرفات وربما المخزية.. ** قال ما الحل في نظرك يا جهبذ زمانك. ** الحل هو في التقشف في الانضباط في النظر بعيداً نحو خطواتنا وتصرفاتنا .. كي لا نضل الطريق فتتلقفنا "المستشفيات" النفسية والصحية..وحذار من التطلع إلى الأعالي فالتطلع إلى الأعالي يعمي البصر وربما البصيرة. ** وكاتب هذه الحروف يرفع يديه وبصدق وبإخلاص ورجاء وأمل إلى الله العلي القدير أن يساعدنا ويرحم ضُعفنا .. ومنه وحده العون والتوفيق.. يا أمان الخائفين وحسبنا الله ونعم الوكيل.. جدة ص.ب 16225