اتفق مصرفيون واقتصاديون على أن استثمارات البنوك السعودية في صكوك وسندات دبي التي أصدرتها قبل خمسة أعوام متدنية جدا وربما لا تتجاوز 2.5 في المائة من إجمالي الإصدار البالغ خمسة مليارات دولار لصالح شركتين مملوكتين لحكومة الإمارة. ويسند المصرفيون توقعاتهم حول استثمارات البنوك المحلية في سندات دبي إلى جملة من العوامل، أولها أن البنوك السعودية متحفظة دائما في استثماراتها الخارجية وتتجه في الغالب إلى السندات السيادية (الحكومية) مثل سندات الخزانة الأمريكية وسندات التنمية التي تصدرها الحكومة السعودية ولا تفضل سندات الشركات في الأسواق الخارجية، وثاني هذه العوامل أن البنوك المحلية متحسسة دائما من سوقي العقارات المحلي والإقليمي ولم تبد انكشافا عليها خلال الفترة الماضية، ومعظم سندات دبي كانت موجهة للعقارات، ثالث هذه العوامل أن سندات دبي طرحت في وقت كانت البنوك السعودية متشبعة من الإقراض المحلي حيث تجاوز الائتمان في حينها 100 في المائة من الودائع. وهنا يوضح المصرفي طلعت حافظ أن هذا يعني أن البنوك المحلية لم تكن في حاجة إلى قنوات استثمارية خارجية عالية المخاطر كما هو واقع الحال في سوق دبي وبالذات في المجال العقاري، حيث كانت تتوافر لديها فرص استثمارية محلية بمخاطر متدنية مقارنة بمخاطر صكوك دبي. ورابع العوامل، هو أن طرح دبي البالغ خمسة مليارات دولار كان يستهدف الأٍسواق العالمية ولم يخصص للمنطقة منه سوى 5 في المائة. وهنا أوضح المصرفي المختص في إصدار السندات والصكوك فهد السيف، أن سندات دبي كانت موجهة بالدرجة الأولى للأسواق العالمية ولم يخصص مدير الاكتتاب للمؤسسات المالية والمستثمرين في الخليج سوى 5 في المائة، لأن المؤسسات المالية والمستثمرين الأجانب كانوا يتهافتون على الفرض في دبي في حينها. ووفق ذلك فإن حصة البنوك السعودية والحديث للسيف لا تتجاوز 2.5 في المائة حيث توجهت باقي الحصة للبنوك في المنطقة، وعليه فإن بنوكنا لديها استثمارات في سندات دبي قد لا تتجاوز 100 مليون ريال. وهذا يعد مبلغا صغيرا جدا نسبة إلى حجم أصول البنوك السعودية التي تتجاوز 1.3 تريليون ريال. يشار إلى أن حصة ال 2.5 في المائة تعني الاكتتاب المباشر في الصكوك عند طرحها، وليس المبالغ التي ربما استثماراتها البنوك عن طريق خزاناتها أو أذرعها الاستثمارية في سوق الدين الإقليمي، ولا يشمل هذا المبلغ القروض التي يمكن أن تكون البنوك المحلية قد منحتها لمستثمرين بضمانات سندات دبي. وفاجأت دبي العالم الأربعاء الماضي بطلب تأجيل سداد ديون أبرز شركاتها وهي «دبي العالمية» ستة أشهر. وتقدر ديون «دبي العالمية» ب 59 مليار دولار من 80 مليار دولار هي مجمل ديون إمارة دبي. وتبلغ ديون شركة نخيل، الفرع العقاري لشركة دبي العالمية التي يحين أجل سدادها في 14 كانون الأول (ديسمبر) الجاري نحو 3.5 مليار دولار. أمام ذلك، قال الخبير الاقتصادي السعودي عبد الوهاب أبو داهش إن بنوكنا المحلية لن تتأثر مباشرة بقرار دبي، لكنه لا يستبعد أن تكون هناك بنوك محلية اشترت صكوكا وسندات في دبي إما عن طريق الخزانة لصالح استثمارات البنك وإما عن طريق الذراع الاستثمارية لصالح عملائها. لكن أبو داهش يؤكد على ضرورة أن تفصح البنوك المحلية خلال اليومين المقبلين عن مدى انكاشفها على الإقراض المباشر أو الصكوك في دبي، لطمأنة سوق الأسهم حتى لا يتكرر مشهد سوق الإمارات الذي حدث أمس في سوقنا مع استئناف التعامل السبت المقبل. ويشير أبو داهش إلى مسألة أخرى تؤكد الحاجة إلى الإفصاح في البنوك المحلية، وهي أن هناك مستثمرين سعوديين اشتروا أسهما في «موانئ دبي» حين طرحها بقيمة 30 سنتا وسعر الآن أقل من ذلك بكثير، وهو يتساءل: هل اشترى المستثمرون السعوديون الأسهم بتسهيلات من البنوك المحلية؟ وبشأن التأثيرات التي يمكن أن تحدثها حالات سندات دبي في السوق المحلية، يعود فهد السيف للحديث موضحا أن أي طرح من شركة محلية لأوراق مالية تستهدف المستثمرين الأجانب هذه الفترة سيكون صعبا، وربما لن تجد الشركة مشترين أجانب لورقتها المالية نظرا لأن شركات التقييم ستعد المنطقة حاليا عالية المخاطر، لكن الطرح في حال كان موجها للداخل فلن يواجه أي صعوبات، ويضرب السيف مثلا بطرح بنك الخليج الدولي الذي تمت تغطيته في السوق المحلية قبل أسبوعين بنسبة 150 في المائة. وقالت وكالة التصنيف «موديز» إنها بصدد مراجعة أوضاع 17 بنكا وخمس مؤسسات استثمار في الإمارات. وخفضت وكالة ستاندرد آند بورز تصنيف أربعة بنوك في دبي بسبب تعرضها لديون شركتي دبي العالمية ونخيل وشركات أخرى حكومية في الإمارة. وتعتقد مونيكا مالك الخبيرة الاقتصادية في بنك الأعمال «آي إف جي - هيرمس»، أن ديون دبي ستؤثر في ثقة المستثمرين في منطقة الخليج بأسرها، وتابعت «أن فقدان الثقة في دبي سيكون جليا ولا ينبغي التقليل من أهميته، وسيطول ذلك منطقة أكثر اتساعا». لكن هنا يعود مصرفيون سعوديون ويشيرون إلى أن البنوك السعودية نجحت في تجاوز الأزمة المالية العالمية وكذلك أزمة تعثر مجموعتي القصيبي ومعن الصانع، وبالتالي فإن اتساع نطاق أزمة سندات دبي ودخولها السوق المحلية يبدو ضيئلا جدا وسيقتصر على العوامل النفسية التي يفترض أن تنجح البنوك في مواجهتها من خلال الإفصاح السريع عن استثماراتها وقروضها في سوق الإمارات بشكل عام. إلى ذلك، كشفت بيانات عن المقرضين للإمارات عام 2008 أن قائمة البنوك العشرة الأولى خالية من أي بنك سعودي، وتصدر «إتش. إس. بي. سي» الشرق الأوسط القائمة بأكثر من 17 مليار دولار. وحسب البيانات المستقاة من جمعية مصارف الإمارات، حل بنك ستاندرد تشارترد بمبلغ 7.77 مليار دولار، وفي المرتبة الثالثة بنك باركليز بمبلغ 2.24 مليار دولار. ولم يرد في قائمة العشرة الأوائل سوى بنك عربي واحد هو البنك العربي الذي يتخذ من عمان (الأردن) مقرا له.