يعتبر كثير من العاملين في عالم الصيرفة الإسلامية أن الصكوك الإسلامية هي إحدى أدوات الاقتراض الشرعية، وقد كثر الحديث حولها في تأكيد واضح على أن الإسلام لم يكن يوما ما عائقا في وجه النمو الاقتصادي. والصكوك الإسلامية تصدر مقابل أصول، وغالبا ما تكون عقارية أو أصول أوراق مالية ذات عائد وبالتالي ضماناتها اكبر من الصكوك التقليدية. ووفقاً للدكتور محمد القطان، فإنه خلال السنوات الأخيرة بدأ المتخصصون في المجال المالي على نحو متزايد يسمعون بالمؤسسات المالية الإسلامية والمنتجات الاستثمارية المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، وأخذوا يتسابقون للتعامل معها، وغدت مصطلحات مثل المرابحة والمضاربة والصكوك، تتوارد على نحو متواتر في الصحف العالمية. ومن بين المصطلحات التي تحظى بالقدر الأكبر من التساؤلات ما يعرف بالسندات الإسلامية أو الصكوك. يمثل الصك نسبة غير مقسمة في ملكية أصل ما (عمارة - باخرة - طائرة)، وما يرتبط بها من حق الدخل المنتظم المتولد من ذلك الأصل. وتتم هيكلة تلك الدخول المنتظمة على شكل أوراق مالية قابلة للتداول، يتم إصدارها في أسواق المال. وهناك أربعة عشر نوعاً مختلفاً من الصكوك كما بينت هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. إلا أن أكثر أنماط هيكلة الصكوك شيوعاً هو ما يطلق عليه صكوك الإجارة، والتي تقوم على معاملات تأجير إسلامية. ويتمحور هذا الهيكل حول شهادة قابلة للتداول ذات عوائد ثابتة تستمد من دخل الإيجار في مقابل الفائدة (أي مقابل استخدام الأصل). وكنتيجة للهيكلة المشار إليها أعلاه، فإن الصكوك لا تمثل ديناً يستحق من قبل المصدر لحامل الشهادة كما هو الحال للصكوك التقليدية ذات الفائدة. بل تمثل الصكوك في المقابل حصة مشاعة في ملكية أصول متاحة للاستثمار، سواء كانت تلك الأصول أصولاً غير مالية، أو منافع، أو خدمات أو مزيجاً من ذلك كله. فروقات واضحة يقر المختصون في عالم الصيرفة أن هناك مجموعة من الفروقات بين الصكوك التقليدية والإسلامية، من أهمها، أن مالك الصكوك الإسلامية يشارك في العائد بالإضافة إلى إمكانية تعرضه للخسارة بالتناسب مع الشهادات التي يمتلكها. إلا أنه ينظر إلى الصكوك باعتبارها تعكس صيغة المخاطر/العوائد من الصكوك التقليدية، والأصول، والدخول المنتظمة المتولدة عنها، والمستخدمة في التأكيد على أمان الصكوك. ويمكن تداول الصكوك عبر أي من الوسائل المعروفة، ما دامت الآلية غير متعارضة مع أحكام الشريعة الإسلامية. وبناء عليه، يمكن تداول الصكوك مادياً، وإلكترونياً أو عن طريق التسجيل. وفي حالة الصكوك المتداولة يسمح للمصدر أن يشتري بالقيمة السوقية أي شهادة يتم عرضها. إلا أنه من غير المسموح بالنسبة للمصدر أن يتعهد بشراء الصكوك بقيمتها الاسمية. انتشار وحضور كبير مع تزايد قوة ونفوذ الأدوات الاستثمارية الإسلامية في العمليات المصرفية والاقتصادية المختلفة، برزت الصكوك الإسلامية كواحدة من أهم هذه الأدوات التي استطاعت أن تجد لها موطئ قدم في أسواق المال العالمية. فقد تمكنت الصكوك الإسلامية من استقطاب أعداد كبيرة من المستثمرين من مختلف دول العالم، وليس في العالم الإسلامي فحسب، إذ أصبحت الصكوك الموازية للسندات في الاستثمار المصرفي التقليدي متاحة للجميع أفراداً وشركات وحكومات في دول أوروبا وآسيا وأمريكا. فخلال ثلاث سنوات بين عامي 2003و 2006تم إصدار صكوك إسلامية تبلغ قيمتها نحو 40مليار دولار من قبل بنوك ومؤسسات مالية في الشرق الأوسط وآسيا، بالإضافة إلى بلدان إسلامية وبعض المؤسسات الدولية غير الإسلامية، مثل البنك الدولي. وينظر كثير من المختصين إلى أن الصكوك الإسلامية هي البديل الإسلامي للسندات، مثلما أن المرابحة هي بديل للفائدة، وهي تصدر مقابل أصول، وغالباً ما تكون عقارية أو أصول أوراق مالية ذات عائد، والصكوك تكون على مدى متوسط أو بعيد في العادة خمس سنوات وأكثر. ويتم الاكتتاب بها من عدة جهات، وتحصل الشركة على نقد فوري مقابل هذه الصكوك بفائدة أو ربح سنوي ثابت، ويمكن تداول هذه الصكوك من قبل الجهات المالية التي أصدرتها، ويمكن أيضا تحويلها إلى أسهم إذا كانت صكوكا قابلة للتحويل وهذا ما يميزها عن القرض، حيث رن الأخير لا يمكن تحويله إلى أسهم. وتزامن الانتشار الكبير الذي بدأت تحققه الصكوك الإسلامية، مع ظهور دعوات عديدة من الخبراء في قطاع المصارف والبنوك إلى المزيد من التوسع في إصدار الصكوك بعوائد أرباح مجزية، لجذب أعداد إضافية من المستثمرين، فالصكوك باعتبارها أداة من أدوات التمويل، أصبحت من الأدوات الناجحة التي فيها الكثير من القيمة المضافة، سواء للحكومات، أو الشركات الكبرى. ويُعتقد أن ماليزيا هي أكبر سوق سندات إسلامي (صكوك)، حيث تم فيها إصدار ثلاثة أرباع الصكوك الإسلامية العالمية على مدى العقد الماضي، كما تنشط شركات الغاز والنفط بشكل خاص في هذا البلد بشكل كبير في إصدار الصكوك. وفي السعودية معروف أن شركة سابك بادرت إلى إصدار أول صكوك إسلامية في السوق السعودية المحلية بقيمة 3مليارات ريال، والذي شكل أكبر إصدار للصكوك على مستوى المنطقة. وتعتبر تجربة إصدار سابك للصكوك خطوة بالغة الأهمية في مسيرتها، حيث لقيت هذه الصكوك إقبالا واسعا من المستثمرين السعوديين عند طرحها للاكتتاب، كما أنها مهدت الطريق بهذه الخطوة لفتح قناة استثمارية رأسمالية في السعودية غير الأسهم للمساهمة في تطوير السوق المالية السعودية وتزويد المستثمرين بخيارات أوسع للاستثمار. وأعطى اعتماد الصكوك الإسلامية على أصول عقارية أو أوراق مالية، المزيد من الثقة للشركات الكبرى في العالم، للدخول في مشروعات تمويل البنية التحتية والطاقة والتطوير العقاري. وفي البحرين تم إصدار صكوك بقيمة 152مليون دولار لمصلحة مشروع درة البحرين العقاري، كما أصدرت مؤسسة نقد البحرين صكوكا قيمتها 1.3مليار دولار في تسعة إصدارات منذ عام 2001تم إدراج جزء منها تبلغ قيمته 780مليون دولار في سوق البحرين للأوراق المالية، كما تصدر المؤسسة أيضا صكوك السلم، وهي صكوك شهرية بقيمة 25مليون دولار من أجل امتصاص السيولة الزائدة في السوق ولكنها لا تدرجها في البورصة. وفي الإمارات تصدر بنك دبي الإسلامي المركز الأول لإصدارات الصكوك على مستوى العالم في مرحلة ليست بعيدة عنا، منذ بداية العام الحالي وحتى منتصف سبتمبر المنصرم، حيث قام البنك بإدارة إصدارات صكوك بقيمة 1.775مليار دولار ليستحوذ بذلك على نسبة 20.8% من حصة السوق لإصدارات الصكوك في العالم. الصكوك بديل السندات يُعتقد بأن السندات لا تتوافق مع الشريعة الإسلامية كونها تنطوي على فائدة، وعندما نتحدث عن الاستثمار الإسلامي عادةً ما توازي الصكوك السندات. وبناء عليه تم العمل على إصدار هذه الصكوك التي ظهرت إلى حيز الوجود قبل سنوات قليلة. وأول صكوك تم إصدارها كانت جهات مستقلة في كل من ماليزيا والبحرين، وقطر ومؤخراً حتى هناك كثير من الشركات التي ابتدأت تصدّر هذه الصكوك. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه في عالم المال الإسلامي تمثل الصكوك ملكية مشتركة في أصلٍ ما ولها الحق بالدخل الناتج عن هذه الأصول، اما عن طريق تدفق الدخل فيتم ترسيخه وترجمته عبر أدوات قابلة للمداولة يمكن إصدارها في السوق المالية مشابهة جداً إلى مبدأ توريق السندات، لذلك فإن الصكوك تمكن المستثمر من حصر عوائد الدخل القصيرة ومتوسطة الأجل، وهنا تتشابه مع السندات في هذه الصفة. مخاطر الصكوك الإسلامية يقول لاحم الناصر، مستشار في عالم الصيرفة الإسلامية، تتميز الصكوك الإسلامية عن السندات التقليدية ببعض المخاطر التي يجب على كل مصدر ومستثمر أخذها في الحسبان والنظر إليها بجدية كاملة، لا كما ينظر البعض إلى الصكوك على أنها أداة دين لا فرق بينها وبين السندات وان الأصول المكونة للصكوك والهياكل التعاقدية إنما هي من قبيل الجسر لنقل الأموال من المستثمرين إلى مصدري الصكوك. وتتباين المخاطر التي تتعرض لها الصكوك وفقا لهيكل الصك؛ فمخاطر صكوك المرابحة تختلف عن صكوك المشاركة وصكوك الاستصناع عن الإجارة والصكوك المركبة من عقود عن البسيطة القائمة على عقد واحد. كما تختلف هذه المخاطر باختلاف الأصول المكونة لهذه الصكوك بين الأصول الثابتة والمنقولة والمنافع والخدمات، إلا انه يمكن إجمال هذه المخاطر فيما يلي: أولاً: مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، حيث رن الصكوك أداة مالية بنيت على أحكام الشريعة الإسلامية فإن مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية في أي فترة من عمر الصك تؤدي إلى أضرار تختلف باختلاف المخالفة ودرجة خطورتها، فمن بطلان للصك بالكلية إلى فساد بعض الشروط؛ فمثلا عندما تكون مكونات الصك ديون مرابحات وأصولا مؤجرة فيجب أن لا تزيد نسبة الديون على 33% من مكونات الصك طوال عمر الصك حتى يجوز تداوله. وفي حال زادت الديون على هذه النسبة فإن الصك لا يجوز تداوله وبالتالي يصبح الصك ضعيف السيولة، أو أن يكون تملك أصول صكوك الإجارة تملكا صوريا. ثانياً: المخاطر التشغيلية، حيث أن هياكل الصكوك الإسلامية التي يجوز تداولها يجب أن تكون قائمة على أصول، وان العائد على هذه الصكوك ناتج عن هذه الأصول. فإن المخاطر التشغيلية لهذه الأصول يجب أن تدرس بعناية؛ فمثلا نعلم أن العائد الايجاري في صكوك الإجارة هو عائد الصك فلو تعطلت منافع العين المؤجرة المكونة لصك الإجارة فلا يجب على المستأجر دفع الأجرة وبالتالي لن يعود للصك أي عائد. ثالثا: المخاطر القانونية، نظرا لأن الكثير من النظم والتشريعات في كثير من الدول هي أنظمة وضعية ما يجعلها في الكثير من موادها تخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فقد يحدث تعارض بين هذه الأنظمة وأحكام الشريعة الإسلامية. كما انه يتم إهمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية عند التحاكم.