ما أقسى تلك الساعات التي يخيّم فيها على مشاعرك ظلام التشاؤم , وتتملكك نظرة كئيبة للأحداث في محيطك ! حين يداهمك الإحساس بالحزن أو عدم الرضى عن واقعك الشخصي أو الواقع في مجتمعك , فينعكس ذلك توتّرا يُنهك القلب ويعصف بالفكر . قبل أيام وفي مهاتفة مع صديقتي العربية , كانت تحدثني بأسى وقد تهدّج صوتها بالبكاء عن كثير من الأوضاع المزرية في جامعتها , وأن نار الغيرة على حرمات الله تحرقها ! وكيف هي أحوال بعض الشباب المسلم من الجنسين ووقوعهم في بعض المحظورات الشرعية كإدمان المخدرات والخمور والتدخين والعلاقات المحرمة ونزع الحجاب وغير ذلك ... ثم تشكو كثير من المنكرات العظيمة المنتشرة في بلادها وهي ذاتها تتكرر في ديار المسلمين من ربا وظلم ورشوة وسرقات وفساد . بعد وقت من الإنصات لها , حاولت التخفيف من أوجاعها ولا أعلم حينها أيُّنا يحتاج المواساة أكثر قلت لها : هدّأي من روعك صديقتي ! فوالله لو شاء ربك لجعل من على الأرض هُداةً مهتدين , ولكنه الابتلاء والتمحيص , وحكمته وإرادته سبحانه . ولا يأخذك الهمّ والحزن فربك غنيٌ عن عبادة خلقه , ولا يضرّه من عصاه . وما علينا إلا إصلاح أنفسنا أولا ثم بذل الدعوة والدعاء وإحسان الظن بالله الرحيم الكريم . واليوم وفي التفاتة متأملة لنفسي و للآخرين , و الحدّ الذي بلغناه من التوتر والاستسلام للضغوط النفسية وتراكمات الكثير من المشاعر المؤذية والسلبية . أدرك جيدا أننا نحتاج وقفة حازمة أحيانا مع النفس لردعها كلما تمادت أو حادت عن المسار الصحيح . لقد بات القلق والتوتر كائنا طفيليا يعيش بيننا ويفرض نفسه علينا بإلحاح . وأضحى مؤثرا خطيرا في واقعنا ولا ندري أنحن من ينتجه ونصنعه أم هو الذي بات يصنعنا ويتحكم في سلوكياتنا وحياتنا عامةً ؟. في أيامنا هذه تزداد حدة التوترات النفسية وحساسيتنا لكافة أشكال الاستفزاز من حولنا , سواءً كان ذلك استفزازا لمشاعرنا الدينية ! أو التهديدات والمخاطر المختلفة سياسية واقتصادية وثقافية وغيرها ... تؤذينا للغاية معاناة إخوتنا في سوريا وما يتعرضون له من انتهاك لقدسية أرواحهم وأعراضهم وسحق لحقهم في الحياة الآمنة الكريمة . كذلك مآسي المسلمين , شعوبا وأقلّيات في كل مكان . تُقلقنا على ديننا و أوطاننا جحافل الشر من عدو يتربص خارج الحدود ويتحين فرصة ضعف , أو عميل داخلي انسلخ من كل ثوابت الإسلام وقيم الفضيلة و الوطنية الحقة . يُخيفنا المرض و الفقر والفشل والموت وفقد الأحبة , وقد يشغل بعضنا الماضي أو المستقبل . والحقيقة التي يجب أن نحذر لها رغم ذلك كله : أن الإنسان بطبعه كتلة من المشاعر وهو سريع التأثر والتأثير , ولا يمكننا أن نتجنب الأحزان تماما . أو ننتزع رحمة الآخرين من قلوبنا فهي من فضائل الإسلام والإنسانية معا . ولكن علينا أن ننتبه لأنفسنا من أن يتحول ذلك الضيق وتلك الهموم إلى حالات من التوتر والقلق الدائم الذي يشتت أفكارنا ويصرفنا عن التفكير المتزن الإيجابي النافع ويعيقنا عن مواصلة العمل والإنجاز . من الأمور التي يجب أن لا أنساها وغيري , وقد أفادني تدبرها كثيرا : أن الباطل مهما صال وجال , فمنتهاه إلى زوال فلابد من التفاؤل والصبر , وأن الدنيا لاتستحق القلق لها فهي محطة سفر وليست مقرّ . وأن استصلاح الحاضر والغرس الجيد لبذور الأمل للمستقبل , خيرٌ من البكاء على ماض جُرفت أشجاره أو فسدت ثماره . نحتاج كثيرا إلى تجديد الإيمان , والقرب من الله والثقة فيه , والتوكل عليه مع بذل الأسباب , واللجوء إلى الصلاة ففيها الراحة , وذكر الله فهو الطمأنينة . ثم محاولة السيطرة على المخاوف ووضعها بحجمها الطبيعي . مع إعطاء النفس حقها من الهدوء والاسترخاء وممارسة الرياضة وصحبة المتفائلين الإيجابيين في حياتهم . أخيرا تذكروا قول من لا ينطق عن الهوى عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم : " ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا سقم ولا حزن حتى الهمّ يهمّه إلا كفّر الله به من سيئاته " . اللهم أزل وحشة قلوبنا بدوام ذكرك , وارفع عنا كروبنا وهمومنا بدوام اللجوء إليك . ريم سعيد آل عاطف تويتر http://twitter.com/Reem_Alq